هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

[لا يجوز أن يتفق أهل العصر الثاني على خلاف إجماع من قبلهم]

صفحة 214 - الجزء 2

  جعلاها مسألة واحدة وحكما عليها بالحكم السابق. وذلك كما حكي عن الثوري من الفصل بين الجماع ناسياً والأكل ناسياً بقوله: إن الجماع يفطر والأكل لا يفطر، والإجماع ممن تقدم من العلماء أن لا فصل بينهما، وكما روي عن ابن سيرين من فصله بين مسألة الزوج والأبوين ومسألة الزوجة والأبوين. والأدلة والشبه وجواباتها تؤخذ إلى هذه المسألة مما سبق.

[لا يجوز أن يتفق أهل العصر الثاني على خلاف إجماع من قبلهم]

  المسألة السادسة: قد عرف مما تقدم أنه لا يجوز أن يتفق أهل العصر الثاني على خلاف إجماع من قبلهم، ولا خلاف إلا ما حكاه قاضي القضاة عن الشيخ أبي عبدالله أنه قال: إنما لم يجز أن يتفقوا على مخالفتهم لأن أهل العصر الأول أجمعوا⁣(⁣١) على أنه لا يجوز أن يقع الإجماع من بعد على خلاف قولهم، فلو لم يجمعوا على ذلك لجاز أن يتفقوا على مخالفتهم ويكون الإجماع الثاني في حكم الناسخ للأول.


(قوله): «بل جعلاهما مسألة واحدة» أخذ ذلك لابن الحاجب من تمثيله في تلك بأمثلة في هذه المسألة، من ذلك قول ابن الحاجب وشارحه: ورابعها فسخ النكاح بالعيوب الخمسة قيل: يفسخ بها، وقيل: لا يفسخ بشيء منها، فالفرق - وهو القول بأنه يفسخ بالبعض دون البعض - قول ثالث. فقول ابن الحاجب: «فالفرق» كقولهم⁣[⁣١] في هذه المسألة: فالفصل بينهما وبين باقي الأمثلة.

(قوله): «كما حكي عن الثوري» هذا مثال لما قال أهل الإجماع بعدم الفصل.

(قوله): «وكما روي عن ابن سيرين» مثال لعدم قول أهل الإجماع بعدمه.

(قوله): «مما سبق» في مسألة إحداث قول ثالث.

(قوله): «إلا ما حكاه قاضي القضاة عن الشيخ أبي عبدالله» سيأتي في النسخ الخلاف عن أبي الحسين الطبري. وفي رواية المؤلف # هذه تقوية لرواية الفصول عن أبي عبدالله، فيضعف تضعيفه لروايته عنه، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

(قوله): «أن يتفقوا» أي: أهل العصر الثاني «على مخالفتهم» أي: أهل العصر الأول.

(قوله): «لأن أهل العصر الأول أجمعوا على أنه لا يجوز أن يقع الإجماع من بعد»، ظاهره أنه وقع منهم الإجماع على منع جواز الإجماع على المخالفة، وقد ذكر الإمام المهدي # أنهم إذا أجمعوا على منع الإجماع بعد إجماعهم أنه لا خلاف في ذلك.

(قوله): «كالناسخ للأول» إنما قال: كالناسخ⁣[⁣٢] دفعاً لما يقال: الإجماع لا ينسخ، وحاصل الدفع على ما أشار إليه في شرح الجوهرة أنه ليس بنسخ، وإنما هو كالنسخ في أنه أزال حكم الإجماع الأول، كالاجتهادين فإن الاجتهاد المتأخر يزول به حكم الاجتهاد المتقدم ولا يكون نسخاً.


(١) في حاشية: يريد إجماعاً قولياً صريحاً لا بالالتزام.


[١] يقال: لعل هذا من المسألة الأولى؛ إذ ليس محل الحكم - وهو الفسخ - متعدداً، بل هو أمر واحد، فلا يستقيم، والله أعلم. (حسن يحيى ح).

[٢] عبارة المؤلف: في حكم الناسخ.