هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب الأول في الأخبار)

صفحة 238 - الجزء 2

  بالأيمان الكاذبة ألا إنهم هم الكاذبون في حلفهم أنهم ما كانوا مشركين.

  وكيف يصح التفسير بأنهم يعتقدون هناك صحة ما يحلفون عليه مع الاضطرار إلى علم ما أنذرتهم به الرسل.

  ولوالدنا قدس الله روحه قول في الصدق والكذب مغاير لما تقدم حاصله: موافقة الجاحظ في معنى الصدق، وموافقة النظام في معنى الكذب إن كان ثمة اعتقاد.

  فالواسطة عنده ثلاث صور: مطابق الواقع وغير المطابق إذا كان من دون اعتقاد كخبر الساهي والمجنون والنائم والشاك، ومطابق الاعتقاد دون الواقع وهو الجهل المركب، وأما مطابق الواقع مع اعتقاد عدم المطابقة فهو واسطة في قول الجاحظ⁣(⁣١) كذب في هذا القول⁣(⁣٢).


= فإذا قلت لمن قال: زيد بن عمرو قائم: صدقت أو كذبت رجع إلى قوله: «قائم» لا إلى الحكم بالبنوة، فإذا تقررت هذه القاعدة فكيف يصدق على ما ورد في الحديث الصحيح أنه يقال للنصارى يوم القيامة: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح بن مريم، فيقال: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولدا، فإنه رجع فيه التكذيب إلى غير محل الحكم. قيل: وجه صدق القاعدة وانطباقها على ما في الحديث أن تكذيبهم واقع في محل الحكم، وذلك أنهم لما أخبروا بعبادتهم للمسيح بن مريم ونسبوه إلى أمه التي هي نسبة الحق وعدلوا عما كانوا ينسبونه وأمه في دار الدنيا متوهمين أنهم منزهون له عن ذلك فكذبوا لذلك، فلم يقع التكذيب إلا على محل الحكم. وهذا الجواب في غاية الجودة والمناسبة. البحث الرابع: قول ابن الإمام فيما نقله عن صاحب الجوهرة آخر البحث فإنه فسق بالإخلال ... إلخ: وهو أن يقال: كيف يحكم بالفسق على من تكلم بكلمة الكفر ومقتضاه الحكم بالإكفار لا بالتفسيق؟ قلت: لعل ذلك محمول على اختيار صاحب الجوهرة لمذهب أبي هاشم من عدم ثبوت الكفر على من جرى على لسانه الكلمة الكفرية إلا مع مساعدة العقيدة على ذلك الجاري؛ فلذا قال: وأما إذا كان مكلفاً بذلك أي بالإخبار بخلاف ما أخبر به وكان مأخوذاً باعتقاده فالتفسيق يتوجه إلى ما جرى على لسانه ثم يختبر بعد ذلك اعتقاده، وينظر ما انطوى عليه فؤاده فيؤاخذ بما هو مقصوده ومراده، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. حرره أحمد بن محمد بن إسحاق وفقه الله للصواب. اهـ باختصار.

(١) لأنها لم تحصل فيه مطابقة المجموع ولا عدم مطابقة المجموع حتى يكون صدقاً أو كذباً.

(٢) قوله: «كذب في هذا القول» ومثل معنى هذا للإمام شرف الدين، أعني مطابق الواقع مع اعتقاد عدمها كذب، وقد ذكره ابن راوع في شرحه على الأثمار، قال: لأنه يعبر عن اعتقاده، فهو كاذب. اهـ. وهاهنا مذهب آخر أشار إليه المحقق الوجونفوري في الفرائد شرح الفوائد الغيثانية بعد حكاية الثلاثة المذاهب المشهورة بلفظ: وهاهنا احتمال أقرب من مذهب الجاحظ لم يذهب إليه أحد، وهو أن =