(الباب الأول في الأخبار)
  (و) الثاني: الخبر (المتواتر، وهو) في اللغة ما تتابع من الأمور واحداً بعد واحد بفترة، من الوتر، ومنه: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى}[المؤمنون: ٤٤].
  وفي الاصطلاح: (خبر بلغت رواته عدداً لا يكذب عادة(١)) أي: يستحيل في العادة وقوع الكذب من ذلك العدد (خلافاً للسُّمَنِيَّة(٢)) وهم قوم من الهند.
  (و) كذا (البراهمة) وهم قوم لا يجوزون على الله تعالى بعثة الرسل، فإنهم أنكروا إفادته العلم حال كونه (ماضياً وحاضراً عند أكثرهم، وماضياً) فقط (عند الأقل) منهم، حيث قالوا: لا علم في غير الضروريات إلا ما يعلم بالحواس دون الأخبار وغيرها.
(قوله): «بفترة» بأن لا يتخلل زمان كثير فيعد منقطعاً، ولا يقل التخلل فيعد متصلا، فأما مع عد التراخي فهو المداركة والمواصلة كذا في حواشي الفصول.
(قوله): «السمنية» بضم السين وفتح الميم مع تخفيفها، قوم من عبدة الأوثان، كذا في شرح الفصول.
(قوله): «لا يجوزون على الله بعثة الرسل» فأنكروا المتواتر سداً لطريق الشريعة؛ لأنه لا طريق لنا إليها إلا الكتاب والسنة، ولا طريق لنا إليهما إلا النقل المتواتر، ذكره في الجوهرة وشرحها.
(قوله): «ماضياً» كالأمم الماضية والقرون الخالية.
(قوله): «وحاضراً» وهي ما كانت موجودة الآن، نحو الأخبار بوجود مكة.
(قوله): «عند الأقل منهم» من بيانية لا تفصيلية، وقد سبق نظيره.
(قوله): «حيث قالوا: لا علم في غير الضروريات إلا ما يعلم بالحواس دون الأخبار وغيرها» ينظر في تطبيق[١] هذا الكلام على مدعاهم المذكور في الفن وفي معناه؛ إذ لا يصح استثناء المعلوم بالحواس من الضروريات ولا من غيرها، ولعله أراد بالضروريات الوجدانيات، فما يعلم بالحواس هو غيرها، فصح استثناؤه من الغير، والأخبار المتواترة هي من الغير أيضاً لكنها لا تعلم بالحواس، فصح قوله: دون الأخبار.
و (قوله): «وغيرها» لعله أراد به ما يعرف بالأدلة العقلية القطعية.
(١) قال ابن الهمام: المتواتر: خبر جماعة يفيد العلم لا بالقرائن المنفصلة بل بنفسه. وقال ابن الملك في شرح المنار: عرفه المحققون بأنه خبر جماعة يفيد بنفسه العلم بصدقه، فقوله: «بنفسه» يخرج خبر جماعة أفاد العلم بالقرائن الزائدة عن الخبر، كشق الجيوب والتفجع في الخبر بموت ولده على الصحيح أي الذي عليه الجمهور. (من شرح ملا علي قاري على النخبة).
(٢) السُّمَنِيَّةُ، كعُرَنِيَّةٍ: قَوْمٌ بالهِندِ، دَهْريُّونَ، قائِلونَ بالتَّناسُخِ. (قاموس).
[١] لعل بناء كلامه أن المحسوسات من الضروريات، وليس كذلك، فكلام المؤلف مستقيم، ولا وجه لتخصيص الضروريات بالوجدانيات، فتأمل اهـ لا يخفى أن المحسوسات من الضروريات كما صرح به العضد في بحث القياس، فكلام القاضي المحشى مستقيم (ح عن خط شيخه).