(الباب الأول في الأخبار)
  (و) قيل في أقله: (غير ذلك) كما قيل من أنه ثلاثمائة وبضعة عشر عدد أهل غزوة بدر؛ لأن الغزوة تواتر عنهم، وكما حكى الرازي عن قوم أنهم شرطوا عدد أهل بيعة الرضوان، قال في البرهان: وهم ألف وسبعمائة(١).
  وهذه الأقوال (مما لا دليل عليه(٢)) وما ذكروه ليس مما يتمسك به؛ لأنه لا يعد شبهة فضلاً عن أن يكون حجة؛ لأنها مع تعارضها وعدم مناسبتها للمدعى لا تدل على اشتراط تلك الأعداد في إفادة العلم، وذلك ظاهر.
  (والصحيح اختلافه) أي: عدد التواتر في تحصيل العلم (باختلاف المخبِر)
(قوله): «والصحيح اختلافه» اختار هذا في الفصول[١] وابن الحاجب، يعني فلا ينحصر في عدد مخصوص، بل يختلف باختلاف المخبر ... إلخ، قال في شرح المختصر وحواشيه: وضابطه ما حصل العلم عنده، وهو المختار؛ لأنا نقطع بحصول العلم بالمتواترات من غير علم بعدد مخصوص لا متقدماً ولا متأخرا[٢]، أي: لا قبل حصول العلم كما يقتضيه رأي من يقول: إنه نظري، ولا بعده على رأينا، ولا سبيل إلى العلم به عادة؛ لأنه يتقوى الاعتقاد بتدريج كما يحصل كمال العقل بتدريج خفي، والقوة البشرية قاصرة على ضبط ذلك. ونقطع أيضاً أن حصول العلم التواتري يختلف بالقراين التي تتفق في تعريف مضمون الخبر والإعلام به وهي غير زائدة على القراين المحتاج إليها في حصول العلم، فتخرج الأمور المنفصلة الزائدة على ما لا ينفك الخبر عنه عادة؛ لكون الخبر المفيد للعلم بمعونتها غير متواتر، بخلاف المفيد للعلم بمعونة القرائن الغير الزائدة بل اللازمة فإنه متواتر داخل في المفيد بنفسه العلم بصدقه اهـ. وقد ذكر المؤلف # هذه القرائن اللازمة غير الزائدة بقوله: باختلاف المخبر بكسر الباء ... إلخ.
(١) لكن الذي في الصحيح عن البراء بن عازب وهو رواية عن جابر ألف وأربعمائة، وقال النووي: إنه الأشهر، وعن سلمة ورواية عن جابر: ألف وخمسمائة، وعن عبدالله بن أبي أوفى ألف وثلاثمائة، وقال الواقدي وموسى بن عقبة: ألف وستمائة، وقيل غير ذلك. (برماوي).
(٢) ويلزم أن يقول القائل بمثل هذا في تسعة عشر؛ لقوله تعالى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ٣٠}[المدثر]، وثمانية؛ لقوله تعالى: {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ}[الكهف: ٢٢]، وأشباه ذلك مما لا ينحصر ويتكلف له مناسبات كما تكلف له في هذه المذكورات ولا قائل به والله أعلم. (برماوي).
[١] صاحب الفصول اختار كونه غير معلوم العدد، بل يختلف، واختار أن أقل ما يفيد العلم خمسة. (حسن بن يحيى).
[٢] أقول: فيه بحث؛ لأن من اعتبر العدد المخصوص في التواتر لعله يقول: إن إفادته العلم مشروطة بهذا العدد في الواقع، ولا يلزم منه العلم به قبل أو بعد. والجواب أن الظاهر من حال من قال: أقل عدد التواتر كذا أنه يحصل من هذا العدد العلم فإن كان العلم، الحاصل منه ضرورياً كان العلم الحاصل بحصول هذا العدد حاصلاً بعد العلم الحاصل بالتواتر، وإن كان نظرياً كان مستفاداً منه، فكان العلم الحاصل بالتواتر بعد العلم بحصول هذا العدد المعين، يشهد لما ذكرنا ما قال الشارح قبيل هذا حيث قال: فمن زعم أنه نظري يشترط تقدم العلم بذلك كله ... إلخ، نعم، ما ذكرناه احتمال قوي، لكن الظاهر أنه لم يذهب إليه أحد (مير زاجان).