هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب الأول في الأخبار)

صفحة 257 - الجزء 2

  بالصفات المذكورة⁣(⁣١).

  وأما الثالث فلأنه لو لم يكن المعصوم فيهم لم يمتنع الكذب، أما الملازمة فلأن غير المعصوم يجوز الكذب عليه فيجوز على كل واحد، وإذا جاز كذب الآحاد جاز كذب الجميع.

  وأما بطلان اللازم فلأن تجويز الكذب ينافي حصول العلم.

  واحتجاجهم باطل، أما أولاً فلأنه نصب للدليل في مقابلة الضرورة؛ لما مر من القطع بحصول العلم بقول الكفار.

  وأما ثانياً فبأن حكم الجملة يخالف حكم الآحاد، وقد تقدم.

  وأما ثالثاً: فلأنه لو كان كذلك لكان العلم حاصلاً بقوله بالنسبة إلى من سمعه لا بخبر التواتر.


(قوله): «حاصلاً بقوله» أي: بقول المعصوم بالنسبة إلى من سمع قوله.


(١) في بعض الحواشي: مرجعه أي: حديث النصارى إلى الآحاد، فإن اليهود ينقلون ذلك عن سبعة نفر دخلوا البيت الذي فيه المسيح، ويتفق من مثلهم التواطؤ على الكذب. فإن قيل: تواتر الخبر بينهم بالصلب، والصلب مما يعاينه الجمع العظيم الذي لا يتوهم تواطؤهم على الكذب. قلنا: إنهم نقلوا الصلب بعد القتل، والمصلوب بعد القتل لا يتأمل فيه عادة، ففي الطبائع نفرة عن التأمل في المصلوب، والحلى تتغير بالصلب أيضاً وتشتبه لبعد مسافة النظر، فعلم أنه كما لم يتحقق النقل المتواتر في قتله لم يتحقق في صلبه، ولأن النقل المتواتر بينهم في قتل رجل علموه عيسى وصلبه لكنه لم يكن ذلك الرجل عيسى في نفس الأمر، وإنما كان كما قال الله تعالى: {وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ}. فإن قيل: كيف جاز ذلك ووقع وهو يؤدي إلى الشك في حق غيره، فلا يقطع بالأخبار المتواترة من رسول الله ÷ لجواز أن يكون قد شبه لهم، أي للسامعين منه ÷، ويؤدي إلى بطلان الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام؛ لجواز أن غيرهم شبهوا بالأنبياء، وكيف جاز ذلك والإيمان بعيسى # كان واجباً عليهم وما كانوا يعرفونه إلا بالعيان، فكان يجب الإيمان بالشبيه، وهو كفر. قلنا: إلقاء شبه المسيح # على غيره غير مستبعد في القدرة، وفيه حكمة بالغة، وهي دفع شر الأعداء عن المسيح #، فقد كانوا عزموا على قتله، فكان هذا دفعاً للمكروه بوجه لطيف، ولله تعالى لطائف في دفع الأذى عن الرسل، وقد علم منهم أنهم لا يؤمنون، فألقى شبهه على غيره استدراجاً لهم ليزدادوا طغياناً، وفي حق غيره مستبعد لما يؤدي إليه من التليس وعدم المقتضي مما ذكر فلا يحصل التجويز.