هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب الأول في الأخبار)

صفحة 258 - الجزء 2

  وأما الرابع فلأن أهل التواتر إذا لم يشتملوا على أهل الذلة لم يؤمن تواطؤهم على الكذب لغرض، بخلاف ما إذا اشتملوا عليهم فإن خوف مؤاخذتهم بالكذب تمنعهم عنه.

  ولو صح ما ذكروه لثبت غرضهم من إبطال العلم بالخبر المتواتر بمعجزات عيسى ونبينا ª وعلى جميع الأنبياء حيث لم يدخلوا في الأخبار بها؛ لأنهم هم أهل الذلة والمسكنة، لكنه باطل⁣(⁣١) لحصول العلم بأخبار العظماء أهل الشرف والسيادة، بل ربما كان حصول العلم هنا أسرع من حصوله بخبر أهل الذلة لترفع هؤلاء عن رذيلة الكذب لشرفهم وقلة مبالاة أهل الذلة به لخستهم.

  وأما الخامس والسادس والسابع فلأن اتفاق النسب والدين والوطن مظنة التواطؤ على الكذب لغرض، وهو باطل أيضاً؛ للعلم بحصول العلم بأخبار متوطني بقعة واحدة وإن اتفقت أديانهم وأنسابهم كما ذكرناه في أهل قسطنطينية.

  وشرط قوم: أن لا تحويهم بلد ولا يحصرهم عدد لمثل ما تقدم، وهو أيضاً فاسد⁣(⁣٢) لأنه قد يحصل العلم بخبر أهل بلد من البلاد بل بخبر الحجيج وأهل


(قوله): «ليثبت غرضهم» أي: غرض اليهود؛ لأنهم هم المشترطون لأهل الذلة في حصول العلم. وقوله: (من إبطال)، بيان لغرضهم، أي: ليثبت غرضهم الذي هو إبطال العلم. وقوله: (بمعجزات) متعلق بالخبر المتواتر.

و (قوله): «حيث لم يدخلوا» أي: من حيث إن اليهود لم يدخلوا في الأخبار بها، أي: في المخبرين بمعجزات عيسى أو بمعجزات نبينا ÷ إذ ليسوا من الناقلين لمعجزاتهما، بل هم منكرون لهما. وقيد الحيثية تعليل لقوله: ليثبت غرضهم، فإن التعليل أحد استعمالات حيث.

(قوله): «لأنهم» أي: اليهود (هم أهل الذلة) لا غيرهم؛ علة لكون هذه الحيثية علة للسابق.

(قوله): «بخبر أهل بلد من البلاد» هذا رد للشرط الأول، أعني أن لا تحويهم بلد.

و (قوله): «بل بخبر الحجيج» هذا رد لقوله: ولا يحصرهم عدد، ولعله أراد حجيج أهل كل بلد فهم منحصرون فيستقيم قوله بعد هذا: مع كونهم محصورين، لكن ينظر في وجه العطف⁣[⁣١] ببل في قوله: بل يخبر الحجيج.


(١) أي: ثبوت غرضهم.

(٢) عبارة فصول البدائع: والكل فاسد لحصول العلم الضروري وإن كان البعض مقلداً أو ظاناً أو مجازفاً، وعند انحصارهم كإخبار الحجيج عن واقعة صدتهم.


[١] وجه العطف أن حجيج أهل بلد أخص من أهل بلد، فيفيد الترقي. وفي حاشية: لعله قصد الترقي إلى ما هو دون البلد، فإن الحجيج وأهل الجامع قد حواهم المسجد الحرام والجامع، ولعل الوقعة مما تتعلق بهما، والله أعلم. (حسن بن يحيى). وفي حاشية: المراد حجيج أهل بلد، وهم أخص من جميع أهلها. (من خط ح وغيره).