هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول المعروف بـ (شرح الغاية)،

الحسين بن القاسم بن محمد (المتوفى: 1050 هـ)

(الباب الأول في الأخبار)

صفحة 266 - الجزء 2

  على أحد قولي الأولين كما سبق.

  والخامس مما اختلف في العلم بصدقه قوله: (ومنه خبر) الواحد (في) مشهد (جماعة لا يتعمد مثلها الكذب⁣(⁣١) بما لو كان لعلموه) وذلك بأن يكون المخبر به ظاهراً مكشوفاً لا لبس فيه (ولا مانع) يصرفهم (عن تكذيبه) من تدين⁣(⁣٢) أو رغبة أو رهبة، فسكت ذلك الجمع الكثير (ولم يكذبوه) فإنه يعلم صدقه؛ لأن سكوتهم عن تكذيبه كالإخبار بتصديقه⁣(⁣٣)، فإذا لم يجز أن يخبروا بصدقه وهم عالمون بكذبه لم يجز أن يسكتوا، ولأن النفوس ميالة إلى تكذيب الكاذب، ومتى كفت عنه وجدت من الكف ضرراً، فإذا لم يصرف عنه صارف وجب أن تكذبه بأجمعها أو بعضها إن كان كاذباً.


(قوله): «لا يتعمد مثلها الكذب» ذكر المؤلف # هذا القيد بناء على أن العلم بصدق المخبر فيما ذكر استدلالي لا عادي؛ فيتم بهذا القيد ما سيأتي من الاستدلال بقوله: فإذا لم يجز أن يخبروا ... إلخ، ويوافق ما روى في حواشي الفصول عن المنصور بالله أنه استدلالي؛ ولذا قال في المنهاج: هو من مقدمتين كسائر الاستدلاليات. وأما ابن الحاجب وغيره فلم يذكروا هذا القيد؛ لأن العلم عندهم بصدقه عادي؛ ولذا قال في شرح المختصر: لأن سكوتهم وعدم تكذيبهم مع علمهم بكذب المخبر ممتنعان عادة، ثم قال: لا يقال: لعلهم ما علموا أو علمه بعضهم أو جميعهم وسكتوا؛ لأنا نقول: ذلك معلوم الانتفاء بالعادة.

(قوله): «بما لو كان» متعلق بقوله: خبر.

(قوله): «ظاهراً مكشوفاً» كقتل الخطيب على المنبر، لا خفياً كخبر غريب لا يقف عليه إلا الأفراد.

(قوله): «ولا مانع يصرفهم» يعني وعلم أنه لا مانع ... إلخ، فهو عطف على معنى ما سبق⁣[⁣١].

(قوله): «وهم عالمون» حال من ضمير يخبروا.

و (قوله): «لم يجز أن يسكتوا» جواب إذا.

(قوله): «ولأن النفوس ... إلخ» استدلال آخر على العلم بصدقه، لكن هذا إنما يعلم بالعادة، فكأنه إشارة إلى ما بنى عليه ابن الحاجب من أنه علم عادي.

(قوله): «ومتى كفت» أي: الجماعة (عنه) أي: عن التكذيب.

(قوله): «ضرراً» فيندفع الضرر بالتكذيب.

(قوله): «فإذا لم يصرف عنه» أي: عن التكذيب (صارف) يقاوم ضرر الكف. لا يقال: ما ذكر من الاستدلال يستلزم أن يكون كل إجماع سكوتي قطعياً، وقد تقدم خلافه؛ لأنا نقول: الذي تقدم فيما لم يعلم أن سكوتهم عن رضاً، وما ذكر هنا فيما علم، فإن خبر الواحد بالخبر المذكور الجامع لما ذكر من الشروط يقتضي العلم بأن سكوتهم عن رضاً، أو نقول: ما تقدم في المسائل الاجتهادية، فيحتمل أن يكون السكوت في حال النظر والبحث، بخلاف ما نحن فيه، فإن المخبر أخبر عن أمر ظاهر لا يقدر فيه ذلك الاحتمال.


(١) هذا يستلزم أن كل إجماع سكوتي يكون صدقاً وقطعياً.

(٢) كأن يكذب لمصلحة دينية فيكف السامع عن التكذيب تديناً.

(٣) واعلم أن هذا تواتر سكوتي نظير الإجماع السكوتي، والمراد بالخلق الكثير ما يبلغ عدده حد التواتر. (ميرزاجان).


[١] الظاهر أنها جملة حالية فتأمل (ح عن خط شيخه).