فصل في رمي الجمار في اليوم الثاني وما يلحق بذلك
  ويدعو بما فسرت لك من الدعاء في دخوله إياها في النفر الأول، وإن كان له بمكة مقام أَخَّرَ الوداع إلى يوم خروجه، ثم وَدَّع ودعا بما فسرت له إن شاء الله، فإن الوداع لايكون إلا في يوم الرحيل، ويستحب للحاج عند وقت نفره من منى أن يتصدَّق بما حضره فيما بين مكة ومنى، وأن يتصدَّق بما أمكنه وحضره في يوم خروجه من مكة وتوجهه إلى بلده.
  وفيها [ج ١ ص ٢٧١]: قال # في حج إبراهيم ~ وآله وسلم مالفظه: فأمره - صلى الله عليه - ربُّه جل ذكره بالحج له إلى بيته الحرام، فحج كما أمره الله كما حج أبوه آدم صلى الله عليهما، فحج إبراهيم صلى الله عليه بأهله والمؤمنين حتى انتهى إلى بيت رب العالمين، فأمره الله سبحانه في الأذان بالحج، فأذن، ودعا إلى الله، فأسمع، فأجابه إلى ذلك من آمن بالله، واتبع أمره، واجتمعوا إلى إبراهيم صلى الله عليه، فخرج بمن معه متوجها إلى منى، فيقال: إن إبليس اعترض له عند جمرة العقبة، فرماه بسبعة أحجار يكبر مع كل حجرة تكبيرة، ثم اعترض له عند الجمرة الثانية، ففعل به مافعل عند الجمرة الأولى، ثم اعترض له عند الجمرة الثالثة، فرماه كما رماه عند الجمرة الثانية، فأيس من إجابته له، وقبوله لقوله فيقال: إنه صده، وضلَّلَه عن طريق عرفة، فأتى صلى الله عليه ذا المجاز، فوقف به فلم يعرفه إذ لم ير فيه من النعت مانعت له، فسار عنه وتركه، فسمي ذلك المكان لمجاز إبراهيم به ذا المجاز، فلما أتى إبراهيم صلى الله عليه الموضع الذي أمر بإتيانه عرفه بما فيه من العلامات التي نعتت له، فقال ÷: قد عرفت هذا المكان فسمي عرفات، فنزل بها حتى صلى الظهر، والعصر معاً، ثم وقف بالناس، وجعل إسماعيل ~ إماماً، فوقف مستقبلا للبيت حتى غربت الشمس، ثم دفع بالناس، فصلى المغرب والعشاء الآخرة بالمزدلفة، ويقال والله أعلم: إنها سميت مزدلفة لازدلاف الناس منها إلى منى، وإنما سمي موضعها جمعاً لأنه جمع بين الصلاتين بها، ثم نهض صلى الله عليه حين طلع الفجر، فوقف على الضرب(١) الذي يقال له قزح، ووقف الناس حوله، وهو المشعر الحرام الذي أمر الله بذكره عنده، ثم أفاض قبل طلوع الشمس، فرمى جمرة العقبة بسبع حصيات، ثم نزل منى فذبح وحلق، وصنع مايصنع الحاج، وأرى الناس مناسكهم،
(١) ضَرِب ككتف: الروابي الصغار أفاده في القاموس.