بحث في الظن وتفسيره والعمل به
  فيقول المفتقر إلى عفو الله ورحمته محمد بن يحيى بن الحسين الحوثي - غفر الله لهم وثبته ووفقه - الزيدي مذهباً والعدلي اعتقاداً:
  لا زلت أنظر في ماهية الظن وحقيقته وفي صحة العمل به؛ لأني وجدت الأدلة متدافعة، فالعقل وبعض الآيات القرآنية يقضيان بالعمل به واتباعه، وبعض الآيات القرآنية تبكّت العامل به ومتبعه، وهكذا السنة.
  فتصفّحت الآيات القرآنية الواردة في الظن فإذا مفهوم بعضها ومنطوقه يدل على هذا مثل قوله تعالى في سورة الحجرات: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}[الحجرات: ١٢].
  وهذا وإن كان في الظن نفسه كما في ظن المؤمن بأخيه سوءاً فإنه يلزم منه تأثيم ما يترتب عليه من قول أو فعل؛ فإذا عرفنا أن في الظن ممدوحاً ومذموماً، وأنه استعمل فيما سيأتي فيما تراه في الآيات القرآنية في الاعتقاد المطلق سواء كان مطابقاً أو راجحاً أو مرجوحاً، وسواء كان عن وَهْمٍ أو شكّ أو نحو ذلك، فإنما يُمَيَّز الظن الصحيح الممدوح بمطابقته وصحة دليله، والظن الباطل بعدم المطابقة وبطلان دليله أو عدمه، ولذا نسبهم فيه إلى الخرص واتباع الهوى والتماني.
  فنقول: أما ما ورد في ذمه وذم متبعيه في القرآن الكريم؛ فمنها:
  آية سورة النجم: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ١٩ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ٢٠ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى ٢١ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ٢٢ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ الله بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ٢٣}[النجم]، وفي النجم أيضاً: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى ٢٧ وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ٢٨}[النجم]، فالحق قد جاءهم كما قال في الآية الأخرى: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ٢٣}، فلا يغني عنه الظن والهوى، ولا يمكن مقابلة الحق بالظن الذي بمعنى العلم أو الراجح لأنه لا يتصور وجودهما مع الحق الواضح، فلم يبق معهم إلا الذي بمعنى الوهم أو الشك والهوى والتخيلات، وللعلم بأنه لا طريق لهم إلى ما ادعوه فكيف يغني عما طريقه واضحة.