باب في فضل الجهاد
  الله له من الكرامة، فإذا وصل إلى الأرض تقول له الأرض: مرحباً بالروح الطيب التي خرجت من الجسد الطيب، أبشر، فإن لك مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ويقول الله تعالى: أنا خليفته في أهله، ومن أرضاهم، فقد أرضاني، ومن أسخطهم فقد أسخطني، ويجعل الله روحه في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة بالعرش، ويعطى الرجل منهم سبعين غرفة ما بين صنعاء والشام، يملأ نورها ما بين الخافقين، في كل غرفة سبعون باباً، على كل باب سبعون مصراعاً من ذهب، على كل باب ستور مسبلة، في كل غرفة سبعون خيمة، في كل خيمة سبعون سريراً من ذهب، قوائمها الدر والزبرجد، موصولة بقضبان من زمرد، على كل سرير أربعون فرشاً، غلظ كل فراش أربعون ذراعاً، في كل فراش زوجة من الحور العين عُرُباً أتراباً».
  فقال الشاب: يا أمير المؤمنين أخبرني عن العربة، فقال: (هي الغنجة الرضية الشهية، لها سبعون ألف وصيفة، وسبعون ألف وصيف، صفر الحلي، بيض الوجوه، عليهم تيجان اللؤلؤ، على رقابهم المناديل، بأيديهم الأكوبة، والأباريق، وإذا كان يوم القيامة يخرج من قبره شاهراً سيفه تشخب أوداجه دماً، اللون لون الدم، والرائحة رائحة المسك، يخطر في عرصات القيامة، فوالذي نفسي بيده لوكان الأنبياء على طريقهم لترجّلوا لهم لما يروا من بهائهم؛ حتى يأتوا إلى موائد من الجواهر فيقعدون عليها، ويشفع الرجل منهم في سبعين ألفاً من أهل بيته، وجيرانه، حتى أن الجارين يختصمان أيهما أقرب جوار فيقعدون معي، ومع إبراهيم على مائدة الخلد، فينظرون إلى الله سبحانه وتعالى في كل يوم بكرة وعشية) انتهى.
  قلت: والنظر هنا كما في قوله سبحانه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ٢٢ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٢٣}[القيامة]، وما قيل هناك قيل هنا من أن الله لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، ولكونه ليس بجسم، ولا عرض فيُدْرَك، ويعد مثل هذا من المتشابه، ويرد إلى المحكم، ويكون النظر من الانتظار لرحمة الله، وهو وارد في اللغة كما قال:
  وجوه يوم بدرٍ ناظرات ... إلى الرحمن يأتي بالخلاص