المختار من صحيح الأحاديث والآثار،

محمد بن يحيى بن حسين مطهر (المتوفى: 1440 هـ)

بحث في الظن وتفسيره والعمل به

صفحة 38 - الجزء 1

  وفي سورة القيامة: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ٢٤ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ٢٥}⁣[القيامة].

  وفي سورة يوسف: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا}⁣[يوسف: ١١٠].

  وآية التوبة: {وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ الله إِلَّا إِلَيْهِ}⁣[التوبة: ١١٨].

  وآية سورة البقرة: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ الله}⁣[البقرة: ٢٣٠]. ونحو هذا مما ورد في الكتاب بلفظ الظن.

  إذا تقرر هذا وعرفنا أن كل ذم وَرَد على الظن من القرآن ليس لأنه ظن وإلا لم يصح إطلاقه على الحق والممدوح، فليس لذات الظن، وإنما هو اسم مشترك بين الاعتقادات الباطلة والصحيحة والمعلومة، أو أنه لمجرد الاعتقاد، والصفات مميزة أن ما ورد الذم عليه لمخالفته لما عُلِم ولعدم دليله فصار اعتقاداً باطلاً مذموماً، ويُذمّ متبعه، والقائل بمدلوله خارص كاذب.

  فنقول: أما إطلاقه على المعلوم فلا إشكال في مدحه والعمل به، وأما على ما كان راجحاً - وهو المقصود بالظن عند أهل أصول الفقه - فمع ثبوت دليله وصحته فلم يدخل في الظن المذموم ولم يتناوله كما عرفتَ فيما تقدم من الآيات، سواء سميناه ظناً أو علماً بالمعنى الأعم كما قرر في أصول الفقه وهو الظاهر، فلا إشكال مع قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ٣٦}⁣[الإسراء]، ونحوها، ومن هنا صح وصف العلم باليقين لإخراج هذا العلم.

  ويدل على أنه من العلم وعلى العمل به فيما ليس المطلوب فيه العلم اليقين مما لا طريق إليه سواه قوله تعالى في سورة النور: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}⁣[النور: ٣٣]، ولا طريق إلى العلم المطابق للواقع سوى الظاهر من أحوالهم الراجح عند النظر، وهو المراد بالظن الذي أُطلق عليه العلم هنا.

  ومثل هذه الآية قوله تعالى في سورة الممتحنة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ الله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ}⁣[الممتحنة: ١٠]، فالامتحان هو الاختبار، ولا يفيد علماً مطابقاً سوى