بحث في الظن وتفسيره والعمل به
  الظن الراجح، ولذا قال: {الله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ}، والمفاضلة في العلم تقتضي ذلك، فعلمه تعالى بالواقع لا بالظاهر المراد منا.
  ومنه: قوله تعالى في سورة الأحزاب: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ الله فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}[الأحزاب: ٥]، ولا طريق إلى العلم المطابق، ولم يبق إلا الظاهر الراجح المسمى بالظن، فيلزم تسميته بالعلم، وهو المطلوب، وإلا فلا يمكن دعاء أحد لأبيه لانتفاء العلم المطابق.
  ومنه: قوله تعالى في سورة يوسف: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَاأَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا}[يوسف: ٨١]، ووضع السقاية لا يوجب العلم بأنه سرق.
  وفي سورة النور: {وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ}[النور: ١٥]، بعد قوله: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}[النور: ١٣]، أي فلو جاءوا بأربعة شهداء لصح لهم أن يقولوا ذلك بأفواههم، والشهادة لا تفيد العلم المطابق، وغايتها الظن الراجح، فيكون المراد بالعلم هنا، وبه يتم المطلوب.
  ومنه: قوله تعالى في سورة النساء: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء: ٨٣]، فليس ببعيد أن علم أولي الأمر منهم هو الظن المراد بواسطة الاستنباط.
  وأما قوله تعالى في سورة النحل آية (٤٣)، ومثلها في سورة الأنبياء آية (٧): {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، أي لتعلموا، فإن كان بالحجة شمل العلمين المطابق والراجح إن حمل على مطلق الشرائع، وإن كان خاصاً ففيما خص، وفي الشرائع ما لا يعلم مطابقه، وغايته الراجح من الظن، وإن كان بمجرد الإفتاء فلا يفيد العلم.
  وعلى كل حال فقد قررنا أنه نوع من العلم فلا إشكال، كما قلنا في: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[الإسراء: ٣٦].
  فبما قدمنا من الأدلة تعلم أن اسم الظن يتناول الاعتقاد معلوماً وراجحاً ومشكوكاً وموهوماً ونحو ذلك، وأن بعضه إثم ومذموم لا يعمل به، وبعضه ممدوح معمول به، وقد لخصنا ما تناوله الذم منه وبيّناه بأنه فيما لا طريق إليه سوى الأوهام والشكوك والتماني ونحوها، ومع اعتمادهم له في دفع الحق والمعلوم.