باب صيد الكلاب والجوارح وغيرها
  سَرِيعُ الْحِسَابِ ٤}[المائدة] قال: هذه الآية نزلت على رسول الله ÷، في أمر زيد الخير الطائي، وعدي بن حاتم، وذلك أنهما أتيا رسول الله ÷، فقالا: يا رسول الله إن الله قد حرَّم الميتة على من أكلها، وإن لنا كلاباً نصيد بها، فمنها ما ندرك ذكاة صيده، ومنها ما لاندركه، فأنزل الله هذه الآية على نبيه ÷، فتلاها عليهم، ثم قال ÷: «إذا سميت قبل أن ترسل كلابك، فأخذت الكلاب الصيد؛ فمات في أفواهها فكله».
  قال يحيى بن الحسين: إذا أرسل الكلب المعلم على الصيد، وسمى مرسله، فأخذ الكلب الصيد، فقتله فهو ذكي جائز أكله، وإن أكل الكلب بعضه، وأدرك صاحبه بعضه، فلا بأس بأكل ما فضل منه، وكذلك روي في الأثر، عن النبي ÷.
  وفيها [ج ٢ ص ٣٧٦]: حدَّثني أبي، عن ابيه: أنه سئل عما قتل الكلب، والصقر، فقال: ماقتل الكلب المعلم فحلال عندي أكله، وذكاة ما أكل الكلب المعلم فهو قتله له، ويؤكل ماقتل، وإن كان أكله إلا أقله، ولا أعلم فيما أجبتك به في هذا اختلافاً بين أحد من الناس، إلا شيئاً ذكر فيه من خلاف عن ابن عباس، فإنه ذكر عنه: أنه كان يقول: لايؤكل ما أكل الكلب المعلّم من صيده، فإنه إنما أمسك الصيد إذا أكله عَلَى نفسه لا على مرسله، وظننت أن ابن عباس، تأول في ذلك قول الله جل ثناؤه: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}[المائدة: ٤] فكأن عند ابن عباس أكله له غير إمساك منه على مرسله، وهو عندي، قد يمسك بالقتل أكثر الإمساك، والمذكور المشهور أن عدي بن حاتم، وأبا ثعلبة الخشني سألا رسول الله ÷ عن أكل الكلب المعلم يأكل من صيده، فأمرهما بأكل فضلة الكلب.
  وقال أصحاب رسول الله ÷ إلا ابن عباس وحده من بينهم يؤكل فضل الكلب المعلم، وإن لم يبق من الصيد إلا بعضه من اللحم.
  فأما ما قتل الصقر، أو البازي - فأعجب ما قيل فيه من القول إليَّ: أنه ليس بذكي، لأن الله سبحانه يقول: {مُكَلِّبِينَ}[المائدة: ٤] ولم يقل ما علمتم (مصقرين)، والكلب فهو المُغْرَى، وإكلاب الكلب فهو الإغراء، ولا يكون ذلك من المغري للكلاب إلا إِشْلاءً وأمراً، والصقر لا يؤمر ولا يُشْلى ولا يُغْرى، فإن كانت حالة الفهود كحالها لا تُشْلى ولا تؤمر - فلا يحل أكل فضول أكلها، وإن كانت تؤمر وتشلى فتأتمر فهي كالكلب يؤكل ما أفضلت، وذكي ما قتلت.