فصل فيما تثبت به الإمامة، ولمن تكون في دعوة جماعة متفرقين في وقت واحد
  فجعلهما سيدين، وبيَّن فضلهما، ودل على إمامتهما، ودل أنه لا يحل لأحد أن يتقدم من جعله رسول الله ÷ سيداً، وشهد له بالجنة، وقال: «اللهم أحب من أحبهما، وأبغض من أبغضهما» وقال ÷: «تعلموا منهما، ولا تعلموهما فهما أعلم منكم»، وقال لأبيهما، ولهما: «أنا سِلْمٌ لمن سالمتم، وحَرْبٌ لمن حاربتم» فأثبت أن حربهم حربه، وسلمهم سلمه، وهذه قضية من رسول الله ÷ فيهم في من تمسك بالكتاب من الذرية، وقال: «إن استنصروكم فانصروهم، وإن لبدوا فالبدوا» وأوجب على الأمة نصرتهم إذا استنصروهم، ولم يأمرهم بنصر أحد، ولا اتباعه، ففي ذلك دليل على أنهما المتبوعان، وليسا بتابعين، وفي إبانة فضلهما في علمهما، وأنفسهما على جميع الأمة دليل على أنه لا يجوز أن يكون الفاضل العالم تبعاً للجاهل المفضول، فكيف وقد أمر الله بنصرتهما.
  وقال: «النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأمتي» وخصهما الله بأُبُوَّة رسول الله ÷، وسماهما ابنيه في كتابه فقال: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا ... الآية}[آل عمران: ٦١] وخصهما بآية التطهير: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ٣٣}[الأحزاب] فلما نزلت هذه الآية جعل رسول الله ÷ الكساء عليه، وعلى علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، ثم قال: «هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس، وطهرهم تطهيراً» وفرض مودتهما على كل مسلم، ومودة علي وذريتهما، وجعل لهما الخمس فريضة في كتاب الله.
  فلهما آية الصفوة، قوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}[فاطر: ٣٢] وآية التطهير، وآية المباهلة، وآية الخمس، وآية الفيء، وآية المودة فدل عليهما بالدلالة التي أبان فضلهما، وعظم منزلتهما، وقال الله سبحانه: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ}[الروم: ٣٨] فدل عليهما بأعيانهما، وأسمائهما، وأنسابهما، وأفعالهما، فإمامتهما واحدة، وحقهما واجب، وهما إمامان في وقت واحد إن قاما فلهما، وإن قعدا فلهما درجتهما في الجنة واحدة، ومنزلتهما في الجنة واحدة، إلا أن الحسن يتقدم الحسين بالسن، لقول النبي ÷: «يؤمكم أقرؤكم لكتاب الله، وأقدمكم هجرة، وأعلاكم سناً» وقال لأبيهما، ولهما، ولمن تمسك بالكتاب من ذريتهما: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي»