أزهار وأثمار من حدائق الحكمة النبوية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

في نجاسة الدم والخمر والخنزير

صفحة 19 - الجزء 1

  وفي أمالي أحمد بن عيسى بسنده إلى علي # في الفأرة تقع في السمن فتموت، قال: (إذا كان جامداً أخذت وما حولها فألقيت وأكل ما بقي، وإن كان ذائباً لم يؤكل، وإذا وقعت في البئر فماتت نزحت حتى يغلبهم الماء، وإذا وقعت في الخل فماتت أهريق). اهـ

  يدل ذلك على نجاسة الميتة، ويشهد لذلك قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}⁣[المائدة: ٣]، فعموم المقتضي يدل على ذلك.

  ويؤيد ذلك أن الميتة خبيثة مستقذرة لقوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}⁣[الأعراف: ١٥٧].

  ويستثنى من ذلك شعر الميتة فلا ينجس بموت الشاة ونحوها، إذ لا حياة فيها ولا تقع عليه الذكاة، وقد روي كما في شرح التجريد والبخاري وغيرهما عن النبي ÷: أنه ينتفع من الميتة بالشيء؛ والمراد بالشيء: الشعر، أو أن النبي ÷ أراد أن الميتة تذكى لينتفع بجلدها.

  نعم، مما ينبغي أن يعلم هنا أن الله سبحانه وتعالى حين جاء بالإسلام علم المسلمين - على لسان نبيهم ÷ - خفايا الأحكام في هذا الباب ونحوه، ولم يتعرض لذكر الظاهر منها اكتفاءً بظهوره، فعلمهم نجاسة البول ولم يتعرض للغائط والمني، وذَكَر الميتة والدم ولم يتعرض للصديد.

  هذا، وقد يبين الله تعالى البعض من الأحكام ويترك البعض اكتفاءً بذكر مثله وشبهه، وذلك مثل ذكره لتحريم الدم وتركه لذكر الصديد، ومثل ذكره تعالى للحم الخنزير وتركه لذكر شحمه.

  فالذي يقول بنجاسة الدم يلزمه القول بنجاسة الصديد؛ وذلك لأنه دم استحال إلى أخبث مما كان عليه. والذي يقول بنجاسة لحم الخنزير لقوله تعالى: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ}⁣[الأنعام: ١٤٥]، والرجس: النجس - يلزمه القول بنجاسة شحمه؛ وذلك أن الشحم أصله اللحم أو هو صفة من صفات اللحم.