أزهار وأثمار من حدائق الحكمة النبوية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

النذر

صفحة 269 - الجزء 1

  وهناك يمين ثالثه تسمى يمين الصبر، ويمين الغموس، وهي: أن يحلف الرجل على شيء، وهو يعلم أنه مبطل، وقد ورد الوعيد الشديد على هذه اليمين في الكتاب والسنة، ولا يلزم لهذه اليمين كفارة، وإنما تلزم التوبة والتخلص والرجوع إلى الله.

النذر

  في المتفق عليه: عن ابن عمر عن النبي ÷ أنه نهى عن النذر وقال: «إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل».

  ينظر في صحة هذا الحديث فإنه وإن اتفق الشيخان على إخراجه فإن ذلك لا يعني إلا صحة السند عند من يلتزم صحة ما أخرجاه، وبعد صحة السند يجب النظر في المتن، ومتن الحديث هذا معارض بنصوص قرآنية، فقد مدح الله تعالى الموفين بالنذر في قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ٧ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ٨}⁣[الإنسان]، وفي آية: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ٢٩}⁣[الحج].

  نعم، يمكن أن يقال إن النهي عن النذر يراد به الكراهة التي معناها أن الأولى أن لا ينذر المسلم، لأن النذر زيادة تكليف وتحميل للنفس وقد يفرط الناذر في فعل ما نذر به، وهذا معنى أنه لا يأتي بخير.

  وعلى هذا التفسير فهو صحيح المعنى، لأن المعروف من أخلاق النبي ÷ أنه كان شديد الرحمة بالخلق عامة وبأصحابه خاصة، تصديق ذلك قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ٦}⁣[الكهف]، وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ١٠٧}⁣[الأنبياء] لذلك أرشدهم ÷ إلى ترك النذر رحمة بهم أن يتحملوا من التكاليف أكثر مما حملهم الله تعالى، ومخافة أن لا يوفوا بما نذروا فيستحقوا الإثم، وقريب من هذا حديث: «لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية».