عدالة الإمام
عدالة الإمام
  اشترط قوم العدالة، وقال آخرون: ليست العدالة بشرط؛ بل تصح الصلاة خلف كل بر وفاجر، وأورد في الروض أدلَّةَ كل فريق وأثبت أنها كلها لا تثبت، وأنها ضعيفة، فمع عدم انتهاضها من الفريقين يلزم الرجوع إلى الأصل، وهو الصحة؛ هكذا قال في الروض النضير، واستدل على ذلك بعموم أحاديث الأمر بالجماعة، وأن كثيراً من الصحابة كان يصلي خلف أئمة الجور ... إلخ.
  قلت: الذي يظهرُ لي - والله أعلم - خلافُ ما قال، وهو أن الأصل الفساد والبطلان في العبادات بشكل عام، حتى يقوم دليل الصحة، والصحيح هو: ما وافق أمر الشارع بإجماع أهل الأصول، فيشترط في صحة العبادة تحقق موافقة أمر الشارع، وإلا فهي غير صحيحة.
  وقد تحقق بالاتفاق صحة الصلاة خلف البر، وحصل الشك في صحة الصلاة خلف الفاجر، ولم يحصل الظن القوي بأنها موافقة لأمر الشارع، فلزم التوقف في صحة الصلاة خلفه إلى أن يحصل الظنُّ بموافقة أمر الشارع، ولا يخرج المكلف عن عهدة التكليف إلا بفعل ما كُلِّف به، وعلى حسب الأمر وموافقته، وصلاة كثير من الصحابة خلف أمراء الجور كانت لظروف خانقة لا يمكن معها الاستدلال بأفعالهم.
  فقولُ صاحب الروض: «إن الأصل الصحة» إنما يكون في المعاملات، كالبيع والشراء ونحوها؛ لأن الله تعالى جاء بالإسلام والناس يتعاملون بالبيع والشراء والإجارات والهبات ونحو ذلك، فأقرَّهم الإسلام على ما هم فيه من ذلك، وإنما نهاهم عن جزئيات ومسائل قليلة، فمثل هذا يمكن أن يقال فيه: إن الأصل صحة البيع مثلاً حتى يرد دليل الفساد؛ لأن الواقع كذلك، فلقد أقرهم ÷ على جميع معاملاتهم، ولم ينههم إلا عن مسائل معدودة، فهذه يقال فيها: الأصلُ صحةُ المعاملة، ولا يقال بفسادها إلا إذا جاء دليل على الفساد، وإلا فهي صحيحة.