أزهار وأثمار من حدائق الحكمة النبوية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

في الصلاة [حديث رفع القلم عن ثلاثة]

صفحة 81 - الجزء 1

  وفي المجموع والعلوم وشرح التجريد عن علي # قال: (كانت لرسول الله ÷ عَنَزَة⁣(⁣١) يتوكأ عليها ويغرزها بين يديه إذا صلى، فصلى ذات يوم وقد غرزها بين يديه، فَمَرَّ بين يديه كلب ثم مر حمار ثم مرت امرأة، فلما انصرف قال: «رأيت الذي رأيتم، وليس يقطع صلاة المسلم شيء، ولكن ادرؤوا ما استطعتم».

  ولفظ الجامع الكافي: أنه قيل له ÷: إن الدواب تمر من بين أيدينا ونحن نصلي فقال: «مثل مؤخرة الرحل تكون بين يدي أحدكم لا يضره ما مر بين يديه».

  وروى أبو داود عن أبي سعيد قال: قال رسول الله ÷: «لا يقطع الصلاة شيء وادرؤوا ما استطعتم».

  يؤخذ من هنا: أنه لا يقطع صلاة المسلم شيء يمر بين يديه وهو يصلي، وقد روى مسلم أنه يقطع صلاة المرء المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل - المرأة والحمار والكلب الأسود، وفيه: «الكلب الأسود شيطان».

  غير أنا اخترنا ما اجتمع على روايته الطرفان، ولعل حديث مسلم منسوخ.

  ويدل على ذلك: ما في حديث المجموع وفيه: «قد رأيت الذي رأيتم وليس ... إلخ»؛ فإنه لم يقل ذلك النبي ÷ لأصحابه إلا لما كان مستقراً في أذهانهم من أن ذلك يقطع الصلاة.

  وإذا كان الأمر على ما ذكرنا فالسترة مستحبة لا واجبة. وبعد فالسترة لا تستحب إلا في الفضاء، لا في المساجد والبيوت، والذي يرشد إلى ما ذكرنا: أن الغرض من السترة هي درء الدواب والناس عن المرور بين يدي المصلي والغالب أن المساجد لا تدخلها الحمير والكلاب والدواب والنساء الحيَّض.

  ويؤيد ذلك ما في حديث عائشة: «سئل رسول الله ÷ في غزوة تبوك»، ولم يرو أنه ÷ كان يغرز عنزته في مسجده، وكذلك لم يرو عن أحد من الصحابة.


(١) العنزة - بفتحتين -: أطول من العصا وأقصر من الرمح. مختار الصحاح