(فصل): في بيان تعيين مصرف الوقف إذا عينه الواقف وما يتبع ذلك من المسائل:
  تفاوتوا فيه بأن كان أحدهم أورع والآخر غير ورع كان للأورع، فإن استووا في الورع الشرعي وفضل أحدهم بكثر التحرز من المحرمات فهو الأورع، ويكون أولى.
  واعلم يا أخي أن الورع به السعادة الأبدية، فاحذر التهافت على الدنيا، ويكفيك منها اليسير إن عقلت، وخذ ما لا بأس به، واترك ما به البأس، في الحديث عن النبي المختار ÷: «سيد الأعمال الورع، ومن كان الفقر أحب إليه من الغنى فليجتهد عباد الحرمين أن يبلغوا فضل ما يعطى» وعنه ÷: «لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا، وصمتم حتى تكونوا كالأوتار، وتوفيتم بين الركن والمقام - ما نفعكم ذلك إلا بالورع»، فالعاقل يختار لنفسه ما فيه صلاحها، وفقني الله وإياك لما فيه سعادتنا في الدنيا(١) والآخرة، [وأنقذنا من النار بحوله وطوله](٢) آمين.
  فَرْعٌ: والورع يتفاوت، فمنه تركُ المحرمات والإتيانُ بالواجبات، ومنه ترك الشبهة، وهو أعلى منه، ومنه ترك ما لا بأس به حذاراً مما به البأس، وهو أعلى مما قبله، ومنه - وهو أعلاها - ترك الدنيا وإرسالها عن القلب، وعدم الفرح بما أتى منها وعدم الأسف على ما فات {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}[الحديد ٢٣] نفعنا الله بقرآنه الكريم [وقادنا إلى مرضاته](٣)، آمين.
  فَرْعٌ: من وقف على أورع الناس فإن عرف أن قصده في بلده اعتبر الأورع فيها، وإن لم يعرف أن قصده ذلك اعتبر الأورع ممن يعرفه الواقف(٤).
  (و) إذا وقف على (الوارث) كان الوقف (لذي الإرث فقط) يعني: لمن يرثه لا لغيره، والعبرة بمن يرثه حال الموت(٥) لا حال الوقف(٦)، فلو وقف وله ابن وأخ
(١) في (ب): سعادة الدنيا والآخرة.
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٤) لفظ البيان (٤/ ٢٤٢) وهامش شرح الأزهار (٧/ ٢٠٥): ممن يعرفه الواقف والمتولي بعده من الناس.
(٥) وقبل موته يكون كوقف انقطع± مصرفه. (من البيان ٤/ ٢٣٣) وهامش شرح الأزهار (٧/ ٢٠٧).
(٦) إلا أن يعرف من قصده¹ أنه أراد الذين يرثونه في الحال لو مات. (من البيان وهامش شرح الأزهار).