(باب والقضاء)
  في ذلك احتياطاً، ولا يألو جهده، واعتبر الأمور وقاس الأشياء بعضها ببعض، فإن تبين الحق في ذلك أمضاه، ولقاضي المسلمين [في ذلك] ما لإمامهم)، فكلام الوصي كرم الله وجهه دليل على ما اخترناه.
  (و) الشرط الخامس: (العدالة المحققة) والمعنى أنها تزيد على عدالة الشاهد، فلا يصح أن يكون كافر تأويل ولا فاسق [تأويل]، ولا بد فيه من الخبرة، ولا يكفي فيه مجرد الظاهر، ويعتبر أن يكون ذا ورع محقق بحيث يحجزه عن أموال الناس، ولا بد أن يكون جيد النظر والتمييز، فيفرق بين المدعي والمدعى عليه، وبين الدعوى الصحيحة والفاسدة، صليباً في أمر الله، لا يصرفه الحياء عن الحق، فيستوي في الحق عنده القريب والبعيد، والدنيء والشريف(١)، والغني والفقير، ولا يكون جباراً شديداً بحيث يهابه الخصم فلا يستوفي حقه، ولا هيناً ضعيفاً بحيث يجترئ عليه الخصوم ويطمعون فيه فيغلب القوي منهم الضعيف، ويكون حليماً وافر العقل، لا يستنفره الغضب ولا يستخفه الطيش(٢)؛ لأن ذلك يؤدي إلى اضطراب رأيه واختلال تمييزه فيشتبه عليه الحق بالباطل.
  فائدة: روي أن رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين كرم الله وجهه في قضية لهما، وهو أنه كان لأحدهما خمسة أرغفة وللآخر ثلاثة أرغفة، وفد عليهما ثالث [فأكل معهما و] دفع لهما ثمانية دراهم، فتنازعا في قدر ما يأخذ كل واحد منهما مما دفعه الثالث من الثمانية الدراهم، فقال صاحب الخمسة لصاحب الثلاثة: «خذ لك ثلاثة دراهم ولي خمسة دراهم» جعل ذلك على عدد الأرغفة، فأبى صاحب الثلاثة الدراهم إلا أخذ ثلاثة ونصف(٣)، فقال له أمير المؤمنين: (خذ ما قد رضي به
(١) في (أ، ب): والعريف. وفي (ج): والعربي. والمثبت من البيان (٦/ ١١٤).
(٢) في المخطوطات: البطش. والمثبت من البيان.
(٣) كذا في شرح الفتح وهامش شرح الأزهار. وفي جمع الجوامع للسيوطي: وقال صاحب الأرغفة الثلاثة: لا أرضى إلا أن تكون الدراهم بيننا نصفين.