(فصل): فما ينقض به حكم الحاكم أو المحكم، وبيان من خالف مذهبه فيما حكم به
  الله تعالى ودلالته قاطعة، أو سنة متواترة، أو إجماع قاطع بشروطه المعتبرة المذكورة في مظانه، وقد ذكر الإمام صورة مما ينقض بقوله: (كمخالفة الإجماع) فإذا حكم حاكم وخالف الإجماع فيما حكم به نقض حكمه، ودليل نقضه الإجماع على أن مخالفة الإجماع لا تجوز، وما صدر مخالفاً للإجماع فباطل، فينقض ما خالفه به، فتأمل؛ ومن ذلك لو حكم بالفسخ بين المتلاعنين بعد ثلاث أيمان فينقض؛ لمخالفة الكتاب؛ إذ المعتبر فيه خمس.
  فَرْعٌ: وكذا لو أقر المحكوم له بعد الحكم باستحقاقه لما حكم له به فإنه ينقض. وينظر لو انكشف للحاكم بعد الحكم أمر لو ظهر له قبل لم يحصل منه حكم؟
  فمتى كان حكم الحاكم مخالفاً لدليل علمي وجب عليه نقضه، فإن لم نقضه غيره.
  (و) كذا (لا) ينقض الحاكم المولى من جهة الإمام حكم (محكم) وهو المترافع إليه برضا الغرماء في زمن الإمام وبلد ولايته وهو يصلح للقضاء ولم يكن مولى من جهة الإمام، فمن هذا حاله لا ينقض حكمه الحاكم [إذا] (خالفه) يعني: خالف مذهب الحاكم فيما حكم به (إلا بمرافعة) إلى ذلك الحاكم، فحينئذٍ ينقض حكمه إذا خالف مذهبه، لا قبل المرافعة فليس له الاعتراض.
  تنبيه: والتحكيم هو أن يتراضى الخصمان على المرافعة إلى شخص يفصل بينهما فيما شجر بينهما، ويعتبر في المحكم أن يكون ممن يصلح للقضاء، ولا بد أن يكون في زمن إمام وبلد ولايته، وإلا فهو حاكم الصلاحية.
  نعم، فما حكم به ذلك المحكم فليس للحاكم المولى في تلك الجهة أن يعترض حكم ذلك المحكم لو خالف مذهبه - يعني: مذهب الحاكم فيما حكم به - إلا أن يترافعا إلى الحاكم، فإن ترافعا فإن وجد ذلك الحكم موافقاً لمذهبه أمضاه، وإن خالفه فله نقضه.
  واعلم أنه ليس للمحكم أن يتولى ما أمره إلى الإمام كالحدود واللعان(١)، وإن
(١) لفظ شرح الأزهار (٩/ ٦٤): وإنما يحكم المحكم فيما لا يحتاج فيه إلى الإمام، لا اللعان والحدود.