(فصل): في تمييز دار الإسلام عن دار الكفر، وبيان وجوب الهجرة عن دار الكفر
  بظهورهما الإقرار بشرعيتهما، لا فعلهما؛ فربما أنها لا يخلو بلد من إمكان الإقامة فيها من غير ذمة مع ترك الصلاة، فلو كان ذلك شرطاً لم يوجد دار إسلام قط، فتأمل، (ولم) يكفِ في تسميتها والحكم عليها بأنها دار إسلام بظهور ما ذكر فيها فليعتبر أمر آخر، وهو أن لا (تظهر فيها خصلة كفرية) من تكذيب نبي أو كتاب من أي كتب الله تعالى أو استخفاف بشيء من ذلك أو إلحاد (ولو) لم تكن تلك الخصلة التي تظهر في ذلك البلد كفراً تصريحاً مما مر بل كانت كفراً (تأويلاً) يعني: يؤول صاحبه إلى الكفر، وهو إنكار ما علم من دين النبي ÷ ضرورة، فذلك يكون كتكذيب النبي ÷ وإن لم يكن ظاهره التكذيب، وذلك كالقول بالجبر وذلك القول على العاصي بأنه مجبور على معصيته من الله تعالى ومقسور عليها، فهذا يقتضي إنكار ما جاء به النبي ÷ من زجر من عصى وتضليله ووجوب دخوله النار؛ لأنه لو كان مجبوراً عليها لما حكم عليه بشيء من ذلك، كيف وهو مجبور. ومن ذلك التشبيه، وهو القول بأمر يلزم منه الحكم بأن الله يشبه الأشياء، كالقول بالرؤية ونحوها مما يقتضي ذلك. ومن ذلك القطع بدخول الفساق من أمة نبينا محمد ÷ الجنة إن ماتوا على الفسق، فهذا يؤول إلى تكذيب النبي ÷ من توعد(١) دخول العصاة من أمته النار المقتضي ذلك(٢) صرائح القرآن الكريم، كقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ٢٣}[الجن] وغير ذلك من الأدلة المقتضية لذلك، لا التجويز لدخول العصاة الجنة من دون قطع فلا يكون كفراً، بل خطأ محتملاً، ويقال لهذا: رجاء، وللأول: إرجاء، نعوذ بالله من الضلال، (إلا) أن يظهر شيء مما يوجب كفر التصريح أو التأويل (بجوار) وذمة ممن له الشوكة في ذلك المحل من
(١) كذا في المخطوطات.
(٢) كذا في المخطوطات.