(باب الوضوء)
  إن قيل: التسمية فرض، فهل ينوي عندها فقد أجزتم تقديمَها، أو لا ينوي فقد خرج بعض فروض الوضوء من النية؟ فيقال: هو فرض لم يقصد لنفسه فينوى له، وإنما قصد لغيره - وهو الوضوء - فتقدم على جميع فروضه، ومنها النية، فمحل التسمية قبل النية، فافهم.
  (و) الفرض الثالث: (مقارنة أوله) يعني: أول الوضوء، ولو كان ذلك المقارنة له النية(١) مسنوناً، كغسل اليدين بعد إزالة النجاسة من الفرجين؛ لأن الفروض مترتبة على الشروط، وتلك المقارنة (بنيته) يعني: بنية الوضوء.
  والنية هي: إرادة مؤثرة في الفعل مقارنة لأوله أو لجزء منه أو متقدمة، فاعلُها وفاعلُ المراد واحد. فـ «المقارنةُ» نحو: نية الوضوء و(٢) التيمم والغسل والحج.
  وقولنا: «أو لجزء منه» لتدخل فيه نية صوم رمضان ونحوها.
  وقولنا: «أو متقدمة» ليدخل فيه نية الصلاة قبل التكبيرة ونحوها.
  وقولنا: «فاعلها وفاعل المراد واحد» لتخرج إرادة فعل الغير، فإنها لا تسمّى نية له.
  وهي أيضاً: القصد والإرادة الموجودان في قلب المكلف، لا مجرد اللفظ ولا مجرد الاعتقاد والعلم.
  وأصلُ وجوبها قولُه تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[البينة ٥]، والوضوء عبادة؛ لقوله ÷: «الوضوء شطر(٣) الإيمان» والإيمانُ الصلاة؛ لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}[البقرة: ١٤٣] أراد الصلاةَ إلى بيت المقدس، فكأنه قال: الوضوء شطر الصلاة، وهي تفتقر إلى النية، فكان مثلها؛ لأنها(٤) عبادة، والعبادة من حقها القربة، والقربة لا تكون قربةً إلا بالنية.
(١) في (ب): «المقارن للنية».
(٢) في (ج): «أو».
(٣) في (ج): «شعار». وهو غلط.
(٤) كل النسخ هكذا، والصواب: لأنه؛ كما هو في الشرح.