(باب التيمم)
  استعمال الماء جاز التيمم، وإن استعمله مع ذلك كره. وأما لو خشي التألم من استعمال الماء فإن خشية ذلك لا تبيح التيمم.
  فَرْعٌ: ومن جملة الضرر خشية الشَّيْن الكثير، كتسويد الوجه أو بعضه، أو أكثر البدن؛ لأن الغم منه أكثرُ من زيادة العلة، لا القليل منه(١)، كتسويد آثار الْجَرَب ونحوه. وكذا لو كان الاغتسال يدخل عليه التهمة بفعل محظور، ولم يمكنه إخفاؤه - فإنه يتوضأ ويغسل من بدنه ما لا يتهم بغسله، ويؤخر باقيه إلى وقت لا يتهم بالغسل فيه، وهذا مبني على قاعدة «أن الوقوف في مواقف التهم لا يجوز، وترك الواجب أهون من فعل المحظور».
  مَسْألَة: إذا خشي المحْرِم فوت الوقوف بعرفة إن توضأ، وإن تيمم أدركه - فإنه يتيمم؛ لأن في فوت الوقوف عليه ضررًا. وكذا إذا كان يخشى فوت الوقوف إذا اشتغل بالصلاة فإنه يسير إليه ويصلي في مسيره بحسب الإمكان، ولو لم يستقبل القبلة، وهذا مع الخوف، أعني: عدم الاستقبال وصحة الصلاة معه؛ لأن صلاة المسايف مختصة بالخوف، فإن لم يحصل حال السير خوف آثر الوقوف على الصلاة، ولا يصلي إلى غير القبلة.
  مَسْألَة: وإذا خشي الجنب من استعمال الماء شدة البرد بحيث يرتعش جسمه بعد الغسل كان ذلك عذرًا يبيح له التيمم إذا لم يمكنه تسخين الماء بما لا يجحف، ولا يضره، ولا ينقص من زاده لو كان مسافراً. وهذا حيث يكون الارتعاش كثيراً يخشى منه الضرر، لا اليسير فلا يبيح، وإن أمكنه غسل بعض أعضائه التي لا يحصل من غسلها الارتعاش المضر دون بعض ترك ما يخشى منه الضرر حتى يزول عذره.
  تنبيه: وقد ظهر لك إباحة التيمم لخشية الضرر، لا لخشية التألم فلا، والفرق بينهما - أعني: بين التألم والضرر -: أن الألم يزول بزوال سببه المؤلِم، والضرر ما يبقى أو يحدث بعد الفراغ من سببه، فتأمل، والله أعلم.
(١) أي: من البدن.