تيسير الغفار المعروف بـ (مجموع أهل ذمار)،

عبدالله بن علي العنسي (المتوفى: 1301 هـ)

(باب الظهار)

صفحة 574 - الجزء 3

(باب الظهار)

  اشتقاقه من الظهر، وخص من بين سائر الأعضاء؛ إذ كل مركوب يسمى ظهراً لحصول الراكب على ظهره، فشبهت الزوجة به، ثم قيس عليه سائر الأعضاء والجزء المشاع. وإنما خص الظهر من بين سائر الأعضاء من الفخذ والبطن والفرج وهو أولى بالتحريم بعداً عن اللفظ القبيح، والظهر موضع الركوب، والمرأة مركوبة إذا غشيت، فكأنه قال إذا قال: «كظهر أمي»: ركوبك⁣(⁣١) للنكاح حرام عليّ كركوب أمي للنكاح، فأقام الظهر مقام الركوب؛ لأنه مركوب، وأقام الركوب مقام النكاح؛ لأن الناكح راكب. وهذا من لطيف الكنايات وغرائب الاستعارات. في الكشاف⁣(⁣٢): فإن المراد ببطن أمي وأنه كنى بالظهر عنه؛ للبعد عن مقاربة الفرج، وهو عموده؛ لقول عمر: «يجيء أحدهم على عمود بطنه». ولأن أهل الذمة يقولون: إذا وطئت ووجهها إلى الأرض جاء ولدها أحول، فقصد التغليظ في التحريم على ما يزعمونه من ترك الإتيان كذلك، فجعل زوجته على أبلغ حال في التحريم كونها مثل أمه وكونها ثابتة على تلك الحال، فتأمل.

  وهو في الاصطلاح: قول يوجب تحريم الاستمتاع، يرتفع بالكفارة بعد العود أو ما في حكمها. فقولنا: «قول» واقتصر عليه ولم يقل: «أو ما في معناه» إشارة إلى عدم وقوع الظهار بغيره كالإشارة من الأخرس والكتابة، فهو لا يقع بأيهما؛ إذ يعتبر فيه لفظ مخصوص. وقولنا: «يوجب تحريم الاستمتاع» ليخرج الإيلاء فهو لا يحرم فيه الاستمتاع. وقولنا: «يرتفع بالكفارة إلخ» ليخرج الإيلاء فهو لا كفارة فيه إلا بعد الوطء، وإن كان قد خرج من قولنا: «يحرم به الاستمتاع» فهو زيادة في بيان ماهيته، ولا


(١) في المخطوطات: ركوبا. والمثبت من هامش شرح الأزهار (٤/ ٦٧٤).

(٢) لفظ الكشاف (٣/ ٥٢١): فإن قلت: مامعنى قولهم: أنت علي كظهر أمي؟ قلت: أرادوا أن يقولوا: أنت علي حرام كبطن أمي، فكنوا عن البطن بالظهر لئلا يذكروا البطن الذي ذكره يقارب ذكر الفرج، وإنما جعلوا الكناية عن البطن بالظهر لأنه عمود البطن، ومنه حديث عمر: يجيء به أحدهما على عمود بطنه، أراد: على ظهره. ووجه آخر: وهو أن إتيان المرأة وظهرها إلى السماء كان محرماً عندهم محظوراً، وكان أهل المدينة يقولون: إذا أتيت المرأة ووجهها إلى الأرض جاء الولد أحول، فلقصد المطلق منهم إلى التغليظ في تحريم امرأته عليه شبهها بالظهر، ثم لم يقنع بذلك حتى جعله ظهر أمه، فلم يَتَّرك.