(فصل): في بيان من تجوز معاملته، وذكر صور من المبيعات يجوز بيعها
  فَرْعٌ: ويصح التبايع بين الكفار فيما يصح بين المسلمين ولو كانوا يملكون في دارهم بالقهر والغلبة، من قهر صاحبه على نفسه أو ماله ملكه، ويصح منا الشراء منهم ولو بعضهم يبيع بعضاً ولو رحماً محرماً له، فيجوز لنا أخذه منهم بالعوض؛ لا أنه بيع حقيقة؛ إذ لا يملكون أرحامهم، ويجوز لنا شراء بعضهم من بعض في حال الصلح إذا كانوا يعتادون ذلك، فهو لم يدخل مع الاعتياد في عقد الصلح، لا إن لم يعتادوه فعقد الصلح واقع على عدم شراء ذلك منهم(١)؛ إذ لا يسبى المستأمن، والمراد في هذا كله فيمن يجوز سبيهم وسيأتي تحقيق ذلك في السير، وبالله التوفيق.
  مَسْألَة: وإذا كان في السوق قصابون مسلمون وكفار والتبسوا: فإن كانوا في دار الإسلام جاز الشراء منهم ما لم يظن أن البائع كافر، وإن كانوا في دار الكفر لم يجز الشراء منهم إلا أن يعلم أن البائع مسلم أو يظن ذلك؛ لأن الظن هنا كالعلم، فمن(٢) جهل حاله في الإسلام حكم له بحكم الدار التي هو فيها، وذلك في المناكحة والذبيحة والموارثة والرطوبة والقبر، والله أعلم.
  مَسْألَة: (أو) بيع الشيء إلى من يستعمله في أمر (واجب) عليه فإنه يجوز ويصح، وذلك كالثوب لمن يصلي به، والماء لمن يتوضأ به، و (كالمصحف) إلى من يحفظ منها القدر الواجب من القرآن، وهو مسلم، ويتحفظ منها أحكام الله تعالى، ونحو كتب الهداية، كالفروع والحديث ونحوها إلى من يتعلم الواجب منها - فإن ذلك جائز وينعقد، ويتناولُ العقدُ الجلدَ والكاغدَ، لا المداد؛ إذ قد صار مستهلكًا، فإن لم يكن للجلد والكاغد قيمة لم يصح بيعه، لا على ما فيها فهو عرض لا يصح بيعه، لكنه صفة مقصودة، بل هو أهم المقاصد؛ ولذا أنه إذا وجد في الكتابة خلل نقص أو غيره كان عيباً، ويرد به إن شهد عدلان ذوا خبرة بذلك الأمر أنه عيب ينقص القيمة كغيره من العيوب.
(١) في (ج): «فيهم».
(٢) في المخطوطات: كمن. والمثبت من البيان (٣/ ٣٤).