تيسير الغفار المعروف بـ (مجموع أهل ذمار)،

عبدالله بن علي العنسي (المتوفى: 1301 هـ)

(فصل): في بيان الهبة على غير عوض، وحكم صحة الرجوع فيها، وما يتفرع على ذلك:

صفحة 152 - الجزء 5

  الفسخ فيه من دون سبب فلا حكم للفظ الرد، وذلك كعقد النكاح، فإذا قال الرجل لامرأته: «رددتك» ولم يكن ثم موجب للفسخ من عيب أو غيره فلا حكم للفظ هذا وتبقى زوجة له، وإن كان العقد مما يصح الفسخ فيه بين المتعاقدين بالتراضي كالبيع والهبة والإجارة وغيرها من سائر العقود. نعم، فإذا اقتضى العرف في المحل أن لفظ الرد يتعامل به في العقود بأن يقول البائع للمشتري: «رددت هذه العين» ويملكها بقوله: قبلت، وهكذا لو جرى العرف في لفظ الرد هبة أو إجارة أو غيرها اتبع⁣(⁣١) العرف في ذلك وكان لفظ الرد تابعاً للعرف، ويكون تمليكاً يثبت له عكس الأحكام الثابتة في الفسخ المذكورة⁣(⁣٢) أولاً، وإن لم يجر عرف في كون ذلك اللفظ تمليك بيع أو نحوه كان لفظ الرد في ذلك الشيء فسخاً لما وقع فيه العقد أولاً من هبة أو غير وتتبعه أحكام الفسخ المذكورة أولاً، ومن ذلك رد المرأة للمهر بلفظ «رددت» وقصدها ما أريده وأريد بدله لزم بقبول الزوج للرد مثله إن كان مثلياً وقيمته يوم العقد إن كان قيمياً؛ إذ المهر مما يدخله الفسخ، فيثبت فيه ذلك بشروطه، لا إن قصدت التمليك بقولها: «رددت المهر» كان تمليكاً للزوج كما قد يقع، وتتبعه أحكام الملك، من اشتراط القبول في المجلس وغيره من الأمور المذكورة أولاً، والله أعلم. فظهر لك أن الرد في الهبة وكل ما اعتبر فيه إيجاب وقبول ووقع الرد بعد ذلك الإيجاب والقبول أن الرد فسخ حيث لا عرف، وإن كان لفظ الرد فيما لم يعتبر فيه القبول كالنذر والوصية فهو فسخ بعد الانبرام، [وهو]⁣(⁣٣) يكون بالخروج من مجلس الإيجاب أو مجلس بلوغ الخبر في النذر والوصية، وأما لو رد الوصية قبل مضي المجلس فالرد على حاله رد للوصية والنذر ببقاء العين على ملك الموصي والناذر، ولا بد أن يقبل الموصي أو يقبض العين المردودة بعد انقضاء المجلس، ولا يصح الرجوع من الراد قبل أن يقبض المردود إليه كما هي قاعدة الفسخ كما تقدم في الإقالة، وهكذا في الهبة إذا ردها المتهب فهي باقية على


(١) في (أ): تبع. وفي (ب): تبعه.

(٢) في المخطوطات: المذكور.

(٣) ساقط من (ج).