(فصل): في بيان الهبة على غير عوض، وحكم صحة الرجوع فيها، وما يتفرع على ذلك:
  (و) إذا وهب لشخص عيناً وقبلها المتهب ثم باع العين الموهوبة الواهب فـ (البيع ونحوه) من الهبة ونحوها [(ولو بعد التسليم) إلى المتهب](١) (رجوع) عن الهبة (وعقد) للبيع والهبة ونحوها، ولا يحتاج إلى تجديد عقد آخر في البيع كما قلنا فيما تقدم في الإجارة في قول الإمام: «وإجازته عقد المالك لنفسه فسخ لا إمضاء» فلا بد من عقد جديد.
  والفرق بين هذا وبين العين المؤجرة إذا أجرها المالك من آخر غير الأول أن العقد في الإجارة الثانية موقوف على إجازة المستأجر الأول ورضاه، فإذا رضي فلا بد من تجديد الإجارة الثانية والعقد الأول(٢)، ولحوق الإجازة من المستأجر الأول يكون فسخاً للإجارة الأولى فقط، وهنا إذا باع الواهب كان بيعه رجوعاً عن الهبة وعقداً صحيحاً لا يحتاج إلى تجديد؛ لأنه لم يكن متوقفاً على رضا المتهب.
  نعم، فإن لم ينازع(٣) المتهب لم يحتج البيع إلى حكم حاكم وإن اختلف مذهب الواهب والمتهب في صحة الرجوع عن الهبة وعدم صحة الرجوع لو كان مذهب المتهب، وإن نازع المتهب احتاج البيع إلى حكم حاكم وإن وافق مذهب المتهب في صحة الرجوع عن الهبة.
  فَرْعٌ: ومن الرجوع عن الهبة لو وطئ الواهب الأمة الموهوبة أو قبّلها عالماً كان رجوعاً، لا غالطاً فلا رجوع، وكذا الإقرار بالعين [للغير] وكل إنشاء فإنه رجوع.
  وهذا كله في البيع وغيره حيث تكون الهبة مما يصح الرجوع فيها وسواء كانت قد قبضت أم لا، وإن لم يصح الرجوع فيها لأحد الموانع المتقدمة لم يصح البيع ونحوه، والله أعلم.
  فائدة: إذا وهب رجل أرضاً لغيره وبيعت أرض مجاورة لها فشفع الواهب بالأرض التي وهب كانت شفعته بها رجوعاً عن الهبة، وأما الشفعة فلا تصح؛ لأن البيع للمجاورة وقع والأرض المشفوع بها في ملك غير الشافع، والله أعلم.
(١) ما بين المعقوفين ساقط من المخطوطات، وأثبتناه من شرح الأزهار (٧/ ١٣٦).
(٢) هكذا في المخطوطات.
(٣) في المخطوطات: يستأجر. والمثبت هو الصواب كما دل عليه قوله: وإن نازع.