تيسير الغفار المعروف بـ (مجموع أهل ذمار)،

عبدالله بن علي العنسي (المتوفى: 1301 هـ)

(فصل): في بيان الأفعال التي يصير بها الملك وقفا وإن لم يلفظ صاحبها بالتسبيل:

صفحة 205 - الجزء 5

  أنها تباع؛ لأنها موقوفة للانتفاع، وقد ذهب، بخلاف المسجد فهو وضع للصلاة فيه، فمهما أمكن ولو ما يسع واحداً لم يجز أن تحول آلاته ولا كذلك أوقافه، بل يجب على المتولي حفظ الأوقاف والغلات حتى يذهب قراره ولو أيس من حياة المسجد في المستقبل، وإذا خشي فساد بعضها من الوقف أو غلته باعه أو يقرضه من وفيٍّ، فإن لم تبع بأن لا يوجد من يشتريها وجب عليه أن يتصدق بها، كملك الغير إذا صار في يده.

  نعم، (فإن ذهب) قرار المسجد بأن خدده السيل أو نحوه حتى صار لا يمكن أن يُصلي فيه واحد جاز بيعه؛ لبطلان نفعه في المقصود، وقبل البيع حكمه باقٍ؛ فلا يجوز دخول الجنب إليه وكذا سائر أحكام المسجد حتى يباع، وكذا ما وقف على الإطعام في المسجد فانهدم وذهب قراره عاد وقف الإطعام للواقف أو وارثه، هذا إن كان الوقف من أول الأمر للإطعام في المسجد، أما لو كان الوقف على الإطعام مطلقاً ثم عين المسجد فإذا انهدم المسجد أطعم في غيره ولا يعود إلى الواقف كما مر تحقيقه في قوله: «ولا يبطل المصرف بزواله» و (عاد) المسجد وما وقف عليه (لكل) من الواقف إن كان باقياً أو وارثه إن كان قد مات (ما وقف) ذلك الشخص [أو ورث] (وقفاً) لا ملكاً، فلا يجوز لهم التصرف فيه بالبيع ونحوه إلا حيث يجوز بيع الوقف، وذلك إذا بطل نفعه في المقصود، ومن ذلك المسجد في مثالنا فقد بطل نفعه في المقصود - وهي الصلاة - فيجوز لهم بيعه، وكما تقدم أن حكمه قبل البيع باقٍ، وسواء بيع للواقف أو للمصالح إذا لم يعلم وارث الواقف.

  فائدة: وأما أملاك المسجد من الغلات ونحوها فتصير للمصالح وتصرف في ذلك، فإن عاد المسجد بعد أن صرف المتولي ذلك إلى المصالح ضمن؛ لانكشاف تفريطه في التصرف، كالوصي إذا سلم التركة إلى الورثة وانكشف على الميت دين، وهذا في غاية الإشكال؛ إذ قد صار مأموراً بالتصرف، فلِمَ يضمن ما قد أمر بصرفه؟ فتأمل.

  فَرْعٌ: وإذا صار المسجد في قفر وخشي على آلاته من الرياح والأمطار واللصوص أن يأخذوها لم يجز رفعها، وتجب حراستها وتعاهدها، وإن أخذت وجب إعاضتها من أملاك المسجد، هذا والله أعلم.