(فصل): في تعيين أفضل أمكنة الصلاة وبيان تفاوت الأفضلية في الأمكنة وما يحرم فعله في المساجد ويجوز
  استعمالًا للمسجد، وإشغالاً للمصلي؛ ولعلها باقية على ملك صاحبها، ومن أخذها فلعله يبرأ بردها إلى موضعها وإن كان وضعها في ذلك المكان مكروهًا. قال الإمام يحيى: ويكره لمس المساجد تبركاً.
  (وندب) للمصلي وغيره ممن يفعل سائر الطاعات من صدقة وصيام وغيرها، وذلك (توقي مظان الرياء) وذلك بالبعد عن الناس والكتم عنهم؛ بأن يفعل ذلك الفعل في مكان لا يراه أحد في فعله؛ وأما فعل الصلاة في المساجد فإن وجد مكاناً في المسجد خالياً أو مسجداً خالياً فهي فيه - أعني: صلاة النافلة - أفضل، وإن لم يجد كذلك، بل مدخولاً فهي في البيوت أفضل، إلا ذوات الأسباب فإنه يندب فيها التجميع.
  (إلا مَن أمنه) يعني: أمن الرياء المحرم شرعاً (وبه يقتدى) بأن يفعل مثل ذلك الفعل من رآه من العوام أو غيرهم، وذلك بأن يكون فعله ذلك داعياً إلى غيره بأن يفعل مثله؛ بأن يكون مرغباً فيه أو مذكراً أو نحو ذلك من الأمور التي توجب الاقتداء به، وعلى هذا يحمل ما ورد من الأثر أن «صلاة الجهر تزيد على صلاة السر سبعين ضعفاً»، وذلك بأن يأمن الرياء وبه يقتدى، وإلا فقد مر الترغيب فيمن صلى في بيت مظلم بحيث لا يراه أحد إلا الله سبحانه وتعالى.
  واعلم أنه يترتب على هذه المسألة معرفة الرياء والإخلاص، أما الإخلاص فحقيقته: هو أن يفعل الطاعة أو يترك المعصية للوجه الشرعي، فيعمل الواجب لوجوبه، والمسنون لسنيته، وكذا المندوب، ويترك المحرَّم لكونه منهياً عنه شرعاً، وكذلك المكروه، فإن زاد في نيته ابتغاء وجه الله تعالى فهو أحسن، في الحديث: «لكل حق حقيقة، وما بلغ أحدٌ حقيقةَ الإخلاص حتى لا يحب أن يحمد على شيء من(١) فعله»، فقد روي عن النبي ÷ أنه قال: «سألت جبريل عن الإخلاص ما هو؟ فقال جبريل: سألت رب العرش فقال: سرٌ من أسراري، أستودعه قلب من
(١) في (ب): «مما».