تيسير الغفار المعروف بـ (مجموع أهل ذمار)،

عبدالله بن علي العنسي (المتوفى: 1301 هـ)

(فصل): في بيان ما ينجس وما لا ينجس

صفحة 56 - الجزء 1

  نعم، ومتى تغير الماء بالنجاسة صار متنجساً، سواء كان تغيره بها تحقيقاً، وهو ظاهر، أو تقديراً، وذلك في الماء الكثير الذي خلط به مثله من البول الذي لا رائحة له أو نحو ذلك، فإنه يحكم بنجاسته وإن لم يتغير بذلك أحدُ أوصافه؛ لأنه في حكم المتغير؛ رجوعاً إلى التقدير عند تعذر التحقيق؛ إذ لو فرضنا رائحة للبول لغيَّرَه.

  والثالث مما ينجس من المياه قوله |: (أو وقعت فيه) النجاسة حال كونه (قليلاً) فإنه يصير نجساً، وسواء تغير بها أحد أوصافه أم لا، أو لم تباشر كل أجزائه. هذا إن كان راكداً، لا جارياً فلا ينجس بوقوعها فيه إلا مع التغير كما مر ذلك.

  فَرْعٌ: وإذا غمس إناء فيه ماء متنجس في ماءٍ كثير طاهرٍ صار طاهراً، ولا يعتبر تكرير غمسه في الإناء الطاهر⁣(⁣١) ثلاثاً، ولا فرق بين أن يكون رأس الإناء المتنجس ضيقاً أو وسيعاً، وهذا مهما بقي الإناء منغمساً، فإن رفع تنجس؛ لنجاسة الإناء.

  اعلم أنها لا تقدر قلة الماء عندنا بإمكان استيعاب القوافل شرباً واغترافاً، ولا بالأرطال، ولا بالأذرع لمكانه طولاً وعرضاً (و) إنما (هو) يعني: القليل (ما ظن) المستعمل للماء (استعمالها) يعني: النجاسة، أو المجاورين، وذلك (باستعماله) للماء، فمتى كان المستعمل للماء يظن أنه يستعمل النجاسة باستعمال الماء فذلك الماء القليل، وما لم يظن فيه ذلك فهو الكثير، وسواء في أن المعتبر الظن كذلك قبل وقوع النجاسة فيه أو بعده؛ إذ لا يفرق الحال في الماء بين اعتبار الظن فيه قبل النجاسة وبعدها؛ فعلى تحديد القليل بذلك الحد لو كان الماء القليل في تلم طويل بحيث يقدر لو اجتمع لكان قليلاً ولا يظن استعمال النجاسة التي في طرفه باستعمال الماء في الطرف الآخر - فإنه يجوز له الاستعمال؛ لعدم ظن استعمال النجاسة بذلك؛ فلا ينقض به طرد الحد.

  فلو كان فم البئر ضيقاً ووقعت فيه نجاسة ولم ترسب فهو يظن استعمالها باستعماله، لكنه لا يجوز استعمال رأس البئر؛ لظن استعمال النجاسة، وإن كان كثيراً، والله أعلم؛ فلا ينتقض به عكس الحد.


(١) الظاهر في الماء الطاهر، وأما الإناء فهو متنجس كما في آخر الفرع.