مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

جرف

صفحة 193 - الجزء 1

  أبغيته مالا، أي أغثته.

  وقوله ø: {ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا}⁣[المائدة: ٨]، وقوله ø: {فَعَلَيَّ إِجْرامِي}⁣[هود: ٣٥]، فمن كسر⁣(⁣١) فمصدر، ومن فتح⁣(⁣٢) فجمع جرم.

  واستعير من الجرم - أي: القطع - جَرَمْتُ صوف الشاة، وتَجَرَّمَ الليل⁣(⁣٣).

  والجِرْمُ في الأصل: المجروم، نحو نقض ونفض للمنقوض والمنفوض، وجعل اسما للجسم المجروم، وقولهم: فلان حسن الجرم، أي: اللون، فحقيقته كقولك: حسن السخاء.

  وأمّا قولهم: حسن الجرم، أي: الصوت⁣(⁣٤).

  فالجرم في الحقيقة إشارة إلى موضع الصوت لا إلى ذات الصوت، ولكن لمّا كان المقصود بوصفه بالحسن هو الصوت فسّر به، كقولك: فلان طيب الحلق، وإنما ذلك إشارة إلى الصوت لا إلى الحلق نفسه. وقوله ø: {لا جَرَمَ}⁣(⁣٥) قيل: إنّ «لا» يتناول محذوفا، نحو «لا» في قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ}⁣[القيامة: ١]، وفي قول الشاعر:

  ٩٢ - لا وأبيك ابنة العامري⁣(⁣٦)

  ومعنى جرم: كسب، أو جنى. و: {أَنَّ لَهُمُ النَّارَ}⁣[النحل: ٦٢]، في موضع المفعول، كأنه قال: كسب لنفسه النار.

  وقيل: جَرَمَ وجَرِمَ بمعنى، لكن خصّ بهذا الموضع «جرم» كما خصّ عمر بالقسم، وإن كان عمر وعمر⁣(⁣٧) بمعنى، ومعناه: ليس بجرم أنّ لهم النار، تنبيها أنهم اكتسبوها بما ارتكبوه إشارة إلى قوله تعالى: {ومَنْ أَساءَ فَعَلَيْها}⁣[الجاثية: ١٥].


(١) اتفق جميع القراء على كسر الهمزة من {إِجْرامِي}.

(٢) وهي قراءة شاذة.

(٣) أي: ذهب.

(٤) قال ابن مالك:

كسب وأرض ذات حرّ جرم ... وعرب والقطع، أمّا الجرم

فالجسم والصوت، وأمّا الجرم ... فالذّنب لا عوملت بالإذناب

(٥) الآية: {لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ} من سورة النحل: رقم (٦٢).

(٦) الشطر لامرئ القيس، وعجزه:

لا يدعي القوم أنّي أفرّ

وهو في ديوانه ص ٦٨.

(٧) قال الزمخشري: العمر: الحياة والبقاء، وفيه لغات ثلاث: عمر، وعمر، وعمر، ولا يستعمل في القسم من اللغات الثلاث إلا المفتوحة، لأنها أخف اللغات، ووزنها أخف الأوزان الثلاثية كلها، والقسم كثير الاستعمال عندهم فاختاروا له أخفّها، انظر: أعجب العجب ص ٣٨ - ٣٩.