مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

جرى

صفحة 194 - الجزء 1

  وقد قيل في ذلك أقوال، أكثرها ليس بمرتضى عند التحقيق⁣(⁣١).

  وعلى ذلك قوله ø: {فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ}⁣[النحل: ٢٢]، {لا جَرَمَ أَنَّ الله يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وما يُعْلِنُونَ}⁣[النحل: ٢٣]، وقال تعالى: {لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ}⁣[النحل: ١٠٩].

جرى

  الجَرْي: المرّ السريع، وأصله كمرّ الماء، ولما يجري بجريه. يقال: جَرَى يَجْرِي جِرْيَة وجَرَيَاناً. قال ø: {وهذِه الأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي}⁣[الزخرف: ٥١]، وقال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهارُ}⁣[الكهف: ٣١]، وقال: {ولِتَجْرِيَ الْفُلْكُ}⁣[الروم: ٤٦]، وقال تعالى: {فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ}⁣[الغاشية: ١٢]، وقال: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ}⁣[الحاقة: ١١]، أي: السفينة التي تجري في البحر، وجمعها:

  جَوَارٍ، قال ø: {ولَه الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ}⁣[الرحمن: ٢٤]، وقال تعالى: {ومِنْ آياتِه الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ}⁣[الشورى: ٣٢]، ويقال للحوصلة: جِرِّيَّة⁣(⁣٢)، إمّا لانتهاء الطعام إليها في جريه، أو لأنها مجرى الطعام.

  والإِجْرِيَّا: العادة التي يجري عليها الإنسان، والجَرِيُّ: الوكيل والرسول الجاري في الأمر، وهو أخصّ من لفظ الرسول والوكيل، وقد جَرَيْتُ جَرْياً. وقوله #: «لا يستجرينّكم الشّيطان»⁣(⁣٣) يصح أن يدّعى فيه معنى الأصل.

  أي: لا يحملنّكم أن تجروا في ائتماره وطاعته، ويصح أن تجعله من الجري، أي: الرسول والوكيل⁣(⁣٤). ومعناه: لا تتولوا وكالة الشيطان ورسالته، وذلك إشارة إلى نحو قوله ø: {فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ}⁣[النساء: ٧٦]، وقال ø: {إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَه}⁣[آل عمران: ١٧٥].

جزع

  قال تعالى: {سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا}⁣[إبراهيم: ٢١]، الجَزَع: أبلغ من الحزن، فإنّ الحزن عام والجزع هو: حزن يصرف الإنسان


(١) انظر: معاني القرآن للفراء ٢/ ٨ - ٩.

(٢) انظر: المجمل ١/ ١٨٥.

(٣) الحديث عن مطرّف قال: قال أبي: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول اللَّه ، فقلنا: أنت سيدنا فقال: «السيّد اللَّه ø»، قلنا: وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا، قال: «فقولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينّكم الشيطان» أخرجه أبو داود. انظر: معالم السنن ٤/ ١١٢، وأحمد في المسند ٣/ ٢٤١، والبيهقي في الأسماء والصفات ص ٣٩.

(٤) راجع: معالم السنن للخطابي ٤/ ١١٢.