مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

قوى

صفحة 693 - الجزء 1

  ولم يأمر تعالى بالصلاة حيثما أمر، ولا مدح بها حيثما مدح إلَّا بلفظ الإقامة، تنبيها أنّ المقصود منها توفية شرائطها لا الإتيان بهيئاتها، نحو: {أَقِيمُوا الصَّلاةَ}⁣[البقرة: ٤٣]، في غير موضع {والْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ}⁣[النساء: ١٦٢].

  وقوله: {وإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى}⁣[النساء: ١٤٢] فإنّ هذا من القيام لا من الإقامة، وأمّا قوله: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ}⁣[إبراهيم: ٤٠] أي: وفّقني لتوفية شرائطها، وقوله: {فَإِنْ تابُوا وأَقامُوا الصَّلاةَ}⁣[التوبة: ١١] فقد قيل: عني به إقامتها بالإقرار بوجوبها لا بأدائها، والمُقَامُ يقال للمصدر، والمكان، والزّمان، والمفعول، لكن الوارد في القرآن هو المصدر نحو قوله: {إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا ومُقاماً}⁣[الفرقان: ٦٦]، والمُقَامةُ:

  الإقامة، قال: {الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِه}⁣[فاطر: ٣٥] نحو: {دارُ الْخُلْدِ}⁣[فصلت: ٢٨]، و {جَنَّاتِ عَدْنٍ}⁣[التوبة: ٧٢] وقوله: {لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا}⁣[الأحزاب: ١٣]، من قام، أي: لا مستقرّ لكم، وقد قرئ: {لا مُقامَ} لَكُمْ⁣(⁣١) من: أَقَامَ. ويعبّر بالإقامة عن الدوام. نحو: {عَذابٌ مُقِيمٌ}⁣[هود: ٣٩]، وقرئ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ}⁣(⁣٢) [الدخان: ٥١]، أي: في مكان تدوم إقامتهم فيه، وتَقْوِيمُ الشيء: تثقيفه، قال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}⁣[التين: ٤] وذلك إشارة إلى ما خصّ به الإنسان من بين الحيوان من العقل والفهم، وانتصاب القامة الدّالَّة على استيلائه على كلّ ما في هذا العالم، وتَقْوِيمُ السّلعة: بيان قيمتها. والقَوْمُ: جماعة الرّجال في الأصل دون النّساء، ولذلك قال: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ الآية}⁣[الحجرات: ١١]، قال الشاعر:

  ٣٨١ - أقوم آل حصن أم نساء⁣(⁣٣)

  وفي عامّة القرآن أريدوا به والنّساء جميعا، وحقيقته للرّجال لما نبّه عليه قوله: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ الآية}⁣[النساء: ٣٤].

قوى

  القُوَّةُ تستعمل تارة في معنى القدرة نحو قوله


(١) وهي قراءة حفص وحده، والباقون بفتح الميم. الإتحاف ص ٣٥٣.

(٢) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب.

(٣) عجز بيت لزهير، وصدره:

وما أدري وسوف إخال أدري

وهو من قصيدة مطلعها:

عفا من آل فاطمة الجواء ... فيمن فالقوادم فالحساء

وهو في ديوانه ص ١٢، واللسان (قوم).