قوى
  ولم يأمر تعالى بالصلاة حيثما أمر، ولا مدح بها حيثما مدح إلَّا بلفظ الإقامة، تنبيها أنّ المقصود منها توفية شرائطها لا الإتيان بهيئاتها، نحو: {أَقِيمُوا الصَّلاةَ}[البقرة: ٤٣]، في غير موضع {والْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ}[النساء: ١٦٢].
  وقوله: {وإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى}[النساء: ١٤٢] فإنّ هذا من القيام لا من الإقامة، وأمّا قوله: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ}[إبراهيم: ٤٠] أي: وفّقني لتوفية شرائطها، وقوله: {فَإِنْ تابُوا وأَقامُوا الصَّلاةَ}[التوبة: ١١] فقد قيل: عني به إقامتها بالإقرار بوجوبها لا بأدائها، والمُقَامُ يقال للمصدر، والمكان، والزّمان، والمفعول، لكن الوارد في القرآن هو المصدر نحو قوله: {إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا ومُقاماً}[الفرقان: ٦٦]، والمُقَامةُ:
  الإقامة، قال: {الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِه}[فاطر: ٣٥] نحو: {دارُ الْخُلْدِ}[فصلت: ٢٨]، و {جَنَّاتِ عَدْنٍ}[التوبة: ٧٢] وقوله: {لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا}[الأحزاب: ١٣]، من قام، أي: لا مستقرّ لكم، وقد قرئ: {لا مُقامَ} لَكُمْ(١) من: أَقَامَ. ويعبّر بالإقامة عن الدوام. نحو: {عَذابٌ مُقِيمٌ}[هود: ٣٩]، وقرئ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ}(٢) [الدخان: ٥١]، أي: في مكان تدوم إقامتهم فيه، وتَقْوِيمُ الشيء: تثقيفه، قال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[التين: ٤] وذلك إشارة إلى ما خصّ به الإنسان من بين الحيوان من العقل والفهم، وانتصاب القامة الدّالَّة على استيلائه على كلّ ما في هذا العالم، وتَقْوِيمُ السّلعة: بيان قيمتها. والقَوْمُ: جماعة الرّجال في الأصل دون النّساء، ولذلك قال: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ الآية}[الحجرات: ١١]، قال الشاعر:
  ٣٨١ - أقوم آل حصن أم نساء(٣)
  وفي عامّة القرآن أريدوا به والنّساء جميعا، وحقيقته للرّجال لما نبّه عليه قوله: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ الآية}[النساء: ٣٤].
قوى
  القُوَّةُ تستعمل تارة في معنى القدرة نحو قوله
(١) وهي قراءة حفص وحده، والباقون بفتح الميم. الإتحاف ص ٣٥٣.
(٢) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب.
(٣) عجز بيت لزهير، وصدره:
وما أدري وسوف إخال أدري
وهو من قصيدة مطلعها:
عفا من آل فاطمة الجواء ... فيمن فالقوادم فالحساء
وهو في ديوانه ص ١٢، واللسان (قوم).