مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

خلا

صفحة 297 - الجزء 1

  أنّ غير اللَّه يبدع، فكأنه قيل: فاحسب أنّ هاهنا مبدعين وموجدين، فاللَّه أحسنهم إيجادا على ما يعتقدون، كما قال: {خَلَقُوا كَخَلْقِه فَتَشابَه الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ}⁣[الرعد: ١٦]، {ولَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله}⁣[النساء: ١١٩]، فقد قيل:

  إشارة إلى ما يشوّهونه من الخلقة بالخصاء، ونتف اللَّحية، وما يجري مجراه، وقيل معناه:

  يغيّرون حكمه، وقوله: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله}⁣[الروم: ٣٠]، فإشارة إلى ما قدّره وقضاه، وقيل معنى: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} نهي، أي: لا تغيّروا خلقة اللَّه، وقوله: {وتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ}⁣[الشعراء: ١٦٦]، فكناية عن فروج النساء⁣(⁣١). وكلّ موضع استعمل الخلق في وصف الكلام فالمراد به الكذب، ومن هذا الوجه امتنع كثير من النّاس من إطلاق لفظ الخلق على القرآن⁣(⁣٢)، وعلى هذا قوله تعالى: {إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الأَوَّلِينَ}⁣[الشعراء: ١٣٧]، وقوله: {ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ}⁣[ص: ٧]، [والخلق يقال في معنى المخلوق، والخَلْقُ والخُلْقُ في الأصل واحد، كالشّرب والشّرب، والصّرم والصّرم، لكن خصّ الخلق بالهيئات والأشكال والصّور المدركة بالبصر، وخصّ الخلق بالقوى والسّجايا المدركة بالبصيرة]⁣(⁣٣). قال تعالى: {وإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}⁣[القلم: ٤]، وقرئ: {إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الأَوَّلِينَ}⁣(⁣٤). والْخَلَاقُ: ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخلقه، قال تعالى: {ما لَه فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}⁣[البقرة: ١٠٢]، وفلان خليق بكذا، أي: كأنّه مخلوق فيه، ذلك كقولك: مجبول على كذا، أو مدعوّ إليه من جهة الخلق. وخَلَقَ الثوبُ وأَخْلَقَ، وثوب خَلَقٌ ومُخْلَق وأخلاق، نحو حبل أرمام وأرمات، وتصوّر من خَلُوقَة الثوب الملامسة، فقيل: جبل أَخْلَق، وصخرة خَلْقَاء، وخَلَقْتُ الثوب: ملَّسته، واخلولق السحاب منه، أو من قولهم: هو خليق بكذا، والخلوق: ضرب من الطَّيب.

خلا

  الخلاء: المكان الذي لا ساتر فيه من بناء ومساكن وغيرهما، والخلوّ يستعمل في الزمان والمكان، لكن لما تصوّر في الزمان المضيّ فسّر أهل اللغة: خلا الزمان، بقولهم: مضى الزمان وذهب، قال تعالى: {وما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ


(١) قال مجاهد في الآية: تركتم أقبال النساء إلى أدبار الرجال وأدبار النساء. راجع: الدر المنثور ٦/ ٣١٧.

(٢) قال السمين: قوله هذا يشعر بأن لا مانع من إطلاق الخلق على القرآن إلا ذلك، وليس الأمر كذلك، بل القرآن كلامه غير مخلوق. انظر عمدة الحفاظ: خلق.

(٣) ما بين القوسين ذكره المؤلف في الذريعة ص ٣٩.

(٤) سورة الشعراء: آية ١٣٧، وبها قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وأبو جعفر والكسائي. انظر: الإتحاف ص ٣٣٣.