خلا
  أنّ غير اللَّه يبدع، فكأنه قيل: فاحسب أنّ هاهنا مبدعين وموجدين، فاللَّه أحسنهم إيجادا على ما يعتقدون، كما قال: {خَلَقُوا كَخَلْقِه فَتَشابَه الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ}[الرعد: ١٦]، {ولَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله}[النساء: ١١٩]، فقد قيل:
  إشارة إلى ما يشوّهونه من الخلقة بالخصاء، ونتف اللَّحية، وما يجري مجراه، وقيل معناه:
  يغيّرون حكمه، وقوله: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله}[الروم: ٣٠]، فإشارة إلى ما قدّره وقضاه، وقيل معنى: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} نهي، أي: لا تغيّروا خلقة اللَّه، وقوله: {وتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ}[الشعراء: ١٦٦]، فكناية عن فروج النساء(١). وكلّ موضع استعمل الخلق في وصف الكلام فالمراد به الكذب، ومن هذا الوجه امتنع كثير من النّاس من إطلاق لفظ الخلق على القرآن(٢)، وعلى هذا قوله تعالى: {إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الأَوَّلِينَ}[الشعراء: ١٣٧]، وقوله: {ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ}[ص: ٧]، [والخلق يقال في معنى المخلوق، والخَلْقُ والخُلْقُ في الأصل واحد، كالشّرب والشّرب، والصّرم والصّرم، لكن خصّ الخلق بالهيئات والأشكال والصّور المدركة بالبصر، وخصّ الخلق بالقوى والسّجايا المدركة بالبصيرة](٣). قال تعالى: {وإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: ٤]، وقرئ: {إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الأَوَّلِينَ}(٤). والْخَلَاقُ: ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخلقه، قال تعالى: {ما لَه فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}[البقرة: ١٠٢]، وفلان خليق بكذا، أي: كأنّه مخلوق فيه، ذلك كقولك: مجبول على كذا، أو مدعوّ إليه من جهة الخلق. وخَلَقَ الثوبُ وأَخْلَقَ، وثوب خَلَقٌ ومُخْلَق وأخلاق، نحو حبل أرمام وأرمات، وتصوّر من خَلُوقَة الثوب الملامسة، فقيل: جبل أَخْلَق، وصخرة خَلْقَاء، وخَلَقْتُ الثوب: ملَّسته، واخلولق السحاب منه، أو من قولهم: هو خليق بكذا، والخلوق: ضرب من الطَّيب.
خلا
  الخلاء: المكان الذي لا ساتر فيه من بناء ومساكن وغيرهما، والخلوّ يستعمل في الزمان والمكان، لكن لما تصوّر في الزمان المضيّ فسّر أهل اللغة: خلا الزمان، بقولهم: مضى الزمان وذهب، قال تعالى: {وما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ
(١) قال مجاهد في الآية: تركتم أقبال النساء إلى أدبار الرجال وأدبار النساء. راجع: الدر المنثور ٦/ ٣١٧.
(٢) قال السمين: قوله هذا يشعر بأن لا مانع من إطلاق الخلق على القرآن إلا ذلك، وليس الأمر كذلك، بل القرآن كلامه غير مخلوق. انظر عمدة الحفاظ: خلق.
(٣) ما بين القوسين ذكره المؤلف في الذريعة ص ٣٩.
(٤) سورة الشعراء: آية ١٣٧، وبها قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وأبو جعفر والكسائي. انظر: الإتحاف ص ٣٣٣.