مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

وسع

صفحة 870 - الجزء 1

  قد يحتاج إلى القيام إليها من لذيذ النّوم، ولهذا زيد في أذانه: (الصّلاة خير من النّوم)⁣(⁣١)، ومن قال: صلاة العصر⁣(⁣٢) فقد روي ذلك عن النبيّ (⁣٣)، فلكون وقتها في أثناء الأشغال لعامّة الناس بخلاف سائر الصلوات التي لها فراغ، إمّا قبلها، وإمّا بعدها، ولذلك توعّد النّبيّ فقال: «من فاته صلاة العصر فكأنّما وتر أهله وماله»⁣(⁣٤).

وسع

  السَّعَةُ تقال في الأمكنة، وفي الحال، وفي الفعل كالقدرة والجود ونحو ذلك. ففي المكان نحو قوله: {إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ}⁣[العنكبوت: ٥٦]، {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله واسِعَةً}⁣[النساء: ٩٧]، {وأَرْضُ الله واسِعَةٌ}⁣[الزمر: ١٠] وفي الحال قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِه}⁣[الطلاق: ٧] وقوله: {ومَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُه}⁣[البقرة: ٢٣٦] والوُسْعُ من القدرة: ما يفضل عن قدر المكلَّف. قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلَّا وُسْعَها}⁣[البقرة: ٢٨٦] تنبيها أنه يكلَّف عبده دوين ما ينوء به قدرته، وقيل: معناه يكلَّفه ما يثمر له السَّعَة. أي: جنّة عرضها السّموات والأرض كما قال: {يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}⁣[البقرة: ١٨٥] وقوله: {وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً}⁣[الأعراف: ٨٩] فوصف له نحو: {أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً}⁣[الطلاق: ١٢] وقوله: {والله واسِعٌ عَلِيمٌ}⁣[البقرة: ٢٦٨]، {وكانَ الله واسِعاً حَكِيماً}⁣[النساء: ١٣٠] فعبارة عن سَعَةِ قدرته وعلمه ورحمته وإفضاله كقوله: {وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً}⁣[الأنعام: ٨٠] {ورَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}⁣[الأعراف: ١٥٦]، وقوله: {وإِنَّا لَمُوسِعُونَ}⁣[الذاريات: ٤٧] فإشارة إلى نحو


(١) قال الترمذي: فسّر ابن المبارك وأحمد أنّ التثويب أن يقول المؤذّن في صلاة الفجر: الصلاة خير من النوم، وهو قول صحيح، ويقال لها: التثؤّب أيضا، وهو الذي اختاره أهل العلم ورأوه، روي عن عبد اللَّه بن عمر أنه كان يقول في صلاة الفجر: الصلاة خير من النوم. راجع: عارضة الأحوذي ١/ ٢١٥، وشرح الموطأ للزرقاني ١/ ١٤٤، ومعالم السنن ١/ ١٥٥.

(٢) وهو قول أكثر العلماء. وقاله من المالكية ابن حبيب وابن العربي وابن عطية، وهو الصحيح عند الحنفية والحنابلة، وذهب إليه أكثر الشافعية.

انظر: الزرقاني ١/ ٢٨٦، وفتح الباري ٨/ ١٩٤.

(٣) ففي الحديث أنه قال يوم الأحزاب: «شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ اللَّه قبورهم وأجوافهم نارا».

انظر: فتح الباري في التفسير ٨/ ١٩٥، ومسلم في المساجد رقم ٦٢٧.

(٤) أخرجه الشيخان عن ابن عمر عن النبيّ قال: «إنّ الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله». انظر: فتح الباري في المواقيت ٢/ ٢٤، ومسلم في المساجد رقم ٦٢٦، ومالك في الموطأ ١/ ١١، وغيرهم.