مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

خدع

صفحة 276 - الجزء 1

  مستطيل غائص، وجمع الأخدود أَخَادِيد، وأصل ذلك من خَدَّيِ الإنسان، وهما: ما اكتنفا الأنف عن اليمين والشمال. والخَدّ يستعار للأرض، ولغيرها كاستعارة الوجه، وتَخَدُّدُ اللَّحمِ: زواله عن وجه الجسم، يقال: خَدَّدْتُه فَتَخَدَّدَ.

خدع

  الخِدَاع: إنزال الغير عمّا هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه، قال تعالى: {يُخادِعُونَ الله}⁣[البقرة: ٩]، أي: يخادعون رسوله وأولياءه، ونسب ذلك إلى اللَّه تعالى من حيث إنّ معاملة الرّسول كمعاملته، ولذلك قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ الله}⁣[الفتح: ١٠]، وجعل ذلك خداعا تفظيعا لفعلهم، وتنبيها على عظم الرّسول وعظم أوليائه. وقول أهل اللَّغة: إنّ هذا على حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، فيجب أن يعلم أنّ المقصود بمثله في الحذف لا يحصل لو أتي بالمضاف المحذوف لما ذكرنا من التّنبيه على أمرين: أحدهما: فظاعة فعلهم فيما تحرّوه من الخديعة، وأنّهم بمخادعتهم إيّاه يخادعون اللَّه، والثاني: التّنبيه على عظم المقصود بالخداع، وأنّ معاملته كمعاملة اللَّه، كما نبّه عليه بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ ... الآية}⁣[الفتح: ١٠]، وقوله تعالى: {وهُوَ خادِعُهُمْ}⁣[النساء: ١٤٢]، قيل معناه:

  مجازيهم بالخداع، وقيل: على وجه آخر مذكور في قوله تعالى: {ومَكَرُوا ومَكَرَ الله}⁣[آل عمران: ٥٤](⁣١)، وقيل: خَدَعَ الضَّبُّ أي:

  استتر في جحره، واستعمال ذلك في الضّبّ أنه يعدّ عقربا تلدغ من يدخل يديه في جحره، حتى قيل: العقرب بوّاب الضّبّ وحاجبه⁣(⁣٢)، ولاعتقاد الخديعة فيه قيل: أَخْدَعُ من ضبّ⁣(⁣٣)، وطريق خَادِع وخَيْدَع: مضلّ، كأنه يخدع سالكه. والمَخْدَع:

  بيت في بيت، كأنّ بانيه جعله خادعا لمن رام تناول ما فيه، وخَدَعَ الريق: إذا قلّ⁣(⁣٤)، متصوّرا منه هذا المعنى، والأَخْدَعَان⁣(⁣٥) تصوّر منهما الخداع لاستتارهما تارة، وظهورهما تارة، يقال:

  خَدَعْتُه: قطعت أَخْدَعَه، وفي الحديث: «بين يدي السّاعة سنون خَدَّاعَة»⁣(⁣٦) أي: محتالة لتلوّنها بالجدب مرّة، وبالخصب مرّة.


(١) أي: هذا من باب المشاكلة في اللفظ.

(٢) انظر: البصائر ٢/ ٥٣٠، وعمدة الحفاظ: خدع.

(٣) انظر الأمثال ص ٣٦٤.

(٤) انظر: المجمل ٢/ ٢٧٩.

(٥) هما عرقان خفيان في موضع الحجامة من العنق.

(٦) الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه : «قبل الساعة سنون خداعة يكذّب فيها الصادق، ويصدّق فيها الكاذب، ويخوّن فيها الأمين، ويؤتمن الخائن، وينطق بها الرويبضة» ويروى عن أنس عن النبي: «وإنّ أمام الدجال سنين خداعة» إلخ. قال ابن كثير: هذا إسناد قوي جيد. انظر: مسند أحمد ٢/ ٣٣٨، والفتن والملاحم لابن كثير ١/ ٥٧، والدر المنثور ٧/ ٤٧٥.