مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

ودد

صفحة 860 - الجزء 1

  فذلك وحي إليهم بوساطة اللَّوح والقلم فيما قيل، وقوله: {وأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها}⁣[فصلت: ١٢] فإن كان الوحي إلى أهل السماء فقط فالموحى إليهم محذوف ذكره، كأنه قال: أوحى إلى الملائكة، لأنّ أهل السّماء هم الملائكة، ويكون كقوله: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ}⁣[الأنفال: ١٢] وإن كان الموحى إليه هي السماوات فذلك تسخير عند من يجعل السماء غير حيّ، ونطق عند من جعله حيّا، وقوله: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها}⁣[الزلزلة: ٥]، فقريب من الأوّل وقوله: {ولا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُه}⁣[طه: ١١٤] فحثّ على التّثبّت في السّماع، وعلى ترك الاستعجال في تلقّيه وتلقّنه.

ودد

  الودّ: محبّة الشيء، وتمنّي كونه، ويستعمل في كلّ واحد من المعنيين على أن التّمنّي يتضمّن معنى الودّ، لأنّ التّمنّي هو تشهّي حصول ما تَوَدُّه، وقوله تعالى: {وجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً ورَحْمَةً}⁣[الروم: ٢١]، وقوله: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا}⁣[مريم: ٩٦]، فإشارة إلى ما أوقع بينهم من الألفة المذكورة في قوله: {لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ الآية}⁣[الأنفال: ٦٣]. وفي المودّة التي تقتضي المحبّة المجرّدة في قوله: {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْه أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى}⁣[الشورى: ٢٣]، وقوله: {وهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ}⁣[البروج: ١٤]، {إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}⁣[هود: ٩٠]، فالودود يتضمّن ما دخل في قوله: {فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَه}⁣[المائدة: ٥٤] وتقدّم معنى محبّة اللَّه لعباده ومحبّة العباد له⁣(⁣١)، قال بعضهم: مودّة اللَّه لعباده هي مراعاته لهم. روي: (أنّ اللَّه تعالى قال لموسى: أنا لا أغفل عن الصّغير لصغره ولا عن الكبير لكبره، وأنا الودود الشّكور)⁣(⁣٢).

  فيصح أن يكون معنى: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا}⁣[مريم: ٩٦] معنى قوله: {فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَه}⁣[المائدة: ٥٤].

  ومن المودّة الَّتي تقتضي معنى التّمنّي: {وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ}⁣[آل عمران: ٦٩] وقال: {رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ}⁣[الحجر: ٢]، وقال: {وَدُّوا ما عَنِتُّمْ}⁣[آل عمران: ١١٨]، {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ}⁣[البقرة: ١٠٩]، {وتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ}⁣[الأنفال: ٧]، {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا}⁣[النساء: ٨٩]، {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيه}⁣[المعارج: ١١]،


(١) راجع مادة (حبّ).

(٢) لم أجده.