مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

كتب

صفحة 699 - الجزء 1

كتب

  الْكَتْبُ: ضمّ أديم إلى أديم بالخياطة، يقال: كَتَبْتُ السّقاء، وكَتَبْتُ البغلة: جمعت بين شفريها بحلقة، وفي التّعارف ضمّ الحروف بعضها إلى بعض بالخطَّ، وقد يقال ذلك للمضموم بعضها إلى بعض باللَّفظ، فالأصل في الْكِتَابَةِ: النّظم بالخطَّ لكن يستعار كلّ واحد للآخر، ولهذا سمّي كلام اللَّه - وإن لم يُكْتَبْ - كِتَاباً كقوله: {ألم ذلِكَ الْكِتابُ}⁣[البقرة: ١ - ٢]، وقوله: {قالَ إِنِّي عَبْدُ الله آتانِيَ الْكِتابَ}⁣[مريم: ٣٠]. والكِتاب في الأصل مصدر، ثم سمّي المكتوب فيه كتابا، والْكِتَابُ في الأصل اسم للصّحيفة مع المكتوب فيه، وفي قوله: {يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ}⁣[النساء: ١٥٣] فإنّه يعني صحيفة فيها كِتَابَةٌ، ولهذا قال: {ولَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ الآية}⁣[الأنعام: ٧]. ويعبّر عن الإثبات والتّقدير والإيجاب والفرض والعزم بِالْكِتَابَةِ، ووجه ذلك أن الشيء يراد، ثم يقال، ثم يُكْتَبُ، فالإرادة مبدأ، والكِتَابَةُ منتهى. ثم يعبّر عن المراد الذي هو المبدأ إذا أريد توكيده بالكتابة التي هي المنتهى، قال: {كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَا ورُسُلِي}⁣[المجادلة: ٢١]، وقال تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ الله لَنا}⁣[التوبة: ٥١]، {لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ}⁣[آل عمران: ١٥٤]، وقال: {وأُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ الله}⁣[الأنفال: ٧٥] أي: في حكمه، وقوله: {وكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}⁣[المائدة: ٤٥] أي: أوجبنا وفرضنا، وكذلك قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}⁣[البقرة: ١٨٠]، وقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ}⁣[البقرة: ١٨٣]، {لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ}⁣[النساء: ٧٧]، {ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ}⁣[الحديد: ٢٧]، {لَوْ لا أَنْ كَتَبَ الله عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ}⁣[الحشر: ٣] أي: لولا أن أوجب اللَّه عليهم الإخلاء لديارهم، ويعبّر بالكتابة عن القضاء الممضى، وما يصير في حكم الممضى، وعلى هذا حمل قوله: {بَلى ورُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}⁣[الزخرف: ٨٠] قيل: ذلك مثل قوله: {يَمْحُوا الله ما يَشاءُ ويُثْبِتُ}⁣[الرعد: ٣٩]، وقوله: {أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمانَ وأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْه}⁣[المجادلة: ٢٢] فإشارة منه إلى أنهم بخلاف من وصفهم بقوله: {ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَه عَنْ ذِكْرِنا}⁣[الكهف: ٢٨]، لأنّ معنى «أغفلنا» من قولهم: أغفلت الكتاب: إذا جعلته خاليا من الكتابة ومن الإعجام، وقوله: {فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِه وإِنَّا لَه كاتِبُونَ}⁣[الأنبياء: ٩٤] فإشارة إلى أنّ ذلك مثبت له ومجازى به.

  وقوله: {فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ}⁣[آل عمران: ٥٣] أي: اجعلنا في زمرتهم إشارة إلى قوله: