دهر
  أَكْثَرَ}(١)، وتارة عن الأرذل فيقابل بالخير، نحو: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}[البقرة: ٦١]، وعن الأوّل فيقابل بالآخر، نحو: {خَسِرَ الدُّنْيا والآخِرَةَ}[الحج: ١١]، وقوله: {وآتَيْناه فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وإِنَّه فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}[النحل: ١٢٢]، وتارة عن الأقرب، فيقابل بالأقصى نحو: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى}[الأنفال: ٤٢]، وجمع الدّنيا الدّني، نحو الكبرى والكبر، والصّغرى والصّغر. وقوله تعالى: {ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ}[المائدة: ١٠٨]، أي: أقرب لنفوسهم أن تتحرّى العدالة في إقامة الشهادة، وعلى ذلك قوله تعالى: {ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ}[الأحزاب: ٥١]، وقوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ}[البقرة: ٢٢٠]، متناول للأحوال التي في النشأة الأولى، وما يكون في النشأة الآخرة، ويقال: دَانَيْتُ بين الأمرين، وأَدْنَيْتُ أحدهما من الآخر. قال تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}[الأحزاب: ٥٩]، وأَدْنَتِ الفرسُ: دنا نتاجها.
  وخصّ الدّنيء بالحقير القدر، ويقابل به السّيّئ، يقال: دنيء بيّن الدّناءة. وما روي «إذا أكلتم فدنّوا»(٢) من الدّون، أي: كلوا ممّا يليكم.
دهر
  الدّهر في الأصل: اسم لمدّة العالم من مبدأ وجوده إلى انقضائه، وعلى ذلك قوله تعالى: {هَلْ أَتى عَلَى الإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ}[الدهر: ١]، ثمّ يعبّر به عن كلّ مدّة كثيرة، وهو خلاف الزمان، فإنّ الزّمان يقع على المدّة القليلة والكثيرة، ودَهْرُ فلان: مدّة حياته، واستعير للعادة الباقية مدّة الحياة، فقيل: ما دهري بكذا، ويقال: دَهَرَ فلانا نائبة دَهْراً، أي: نزلت به، حكاه (الخليل)(٣)، فالدّهر هاهنا مصدر، وقيل:
  دَهْدَرَه دَهْدَرَةً، ودَهْرٌ دَاهِرٌ ودَهِيرٌ. وقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تسبّوا الدّهر فإنّ اللَّه هو الدّهر»(٤) قد قيل معناه: إنّ اللَّه فاعل ما يضاف إلى الدّهر من الخير والشّرّ والمسرّة والمساءة، فإذا سببتم الذي تعتقدون أنه فاعل ذلك فقد سببتموه تعالى عن ذلك(٥). وقال بعضهم(٦): الدّهر
(١) سورة المجادلة: آية ٧. وقرأ الحسن (ولا أكبر) وهي قراءة شاذة، وهي محل الاستشهاد.
(٢) في النهاية: «سمّوا اللَّه ودنّوا، وسمّتوا»، وكذا في غريب الحديث لابن قتيبة ٣/ ٧٤٥.
أي: إذا بدأتم بالأكل كلوا مما بين أيديكم، وسمّتوا، أي: ادعوا للمطعم بالبركة. النهاية ٢/ ١٣٧.
(٣) انظر: العين ٤/ ٢٣، وفي عبارة المؤلف بعض التصرف.
(٤) الحديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة، وأحمد في المسند ٥/ ٣٩٩ والبخاري. فتح الباري ٨/ ٥٧٤.
(٥) وهذا قول أبي عبيد في غريب الحديث ٢/ ٤٧.
(٦) هو محمد بن داود الظاهري. انظر فتح الباري ٨/ ٥٧٤.