مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

خزن

صفحة 280 - الجزء 1

  غير تدبّر ولا تفكَّر، قال تعالى: {أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها}⁣[الكهف: ٧١]، وهو ضدّ الخلق، فإنّ الخلق هو فعل الشيء بتقدير ورفق، والخرق بغير تقدير، قال تعالى: {وخَرَقُوا لَه بَنِينَ وبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ}⁣[الأنعام: ١٠٠]، أي: حكموا بذلك على سبيل الخرق، وباعتبار القطع قيل: خَرَقَ الثوبَ، وخَرَّقَه، وخَرَقَ المفاوز، واخْتَرَقَ الرّيح. وخصّ الخَرْق والخريق بالمفاوز الواسعة، إمّا لاختراق الريح فيها، وإمّا لتخرّقها في الفلاة، وخصّ الخرق بمن ينخرق في السخاء⁣(⁣١). وقيل لثقب الأذن إذا توسّع: خرق، وصبيّ أَخْرَقُ، وامرأة خَرْقَاء: مثقوبة الأذن ثقبا واسعا، وقوله تعالى: {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ}⁣[الإسراء: ٣٧]، فيه قولان:

  أحدهما: لن تقطع، والآخر: لن تثقب الأرض إلى الجانب الآخر، اعتبارا بالخرق في الأذن، وباعتبار ترك التقدير قيل: رجل أَخْرَقُ، وخَرِقُ، وامرأة خَرْقَاء، وشبّه بها الريح في تعسّف مرورها فقيل: ريح خرقاء. وروي: «ما دخل الخرق في شيء إلَّا شانه»⁣(⁣٢). ومن الخرق استعيرت المَخْرَقَة، وهو إظهار الخرق توصّلا إلى حيلة، والمِخْرَاق: شيء يلعب به، كأنّه يخرق لإظهار الشيء بخلافه، وخَرِقَ الغزال⁣(⁣٣): إذا لم يحسن أن يعدو لخرقه.

خزن

  الخَزْنُ: حفظ الشيء في الخِزَانَة، ثمّ يعبّر به عن كلّ حفظ كحفظ السّرّ ونحوه، وقوله تعالى: {وإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُه}⁣[الحجر: ٢١]، {ولِلَّه خَزائِنُ السَّماواتِ والأَرْضِ}⁣[المنافقون: ٧]، فإشارة منه إلى قدرته تعالى على ما يريد إيجاده، أو إلى الحالة التي أشار إليها بقوله #: «فرغ ربّكم من الخلق والخلق والرّزق والأجل»⁣(⁣٤)، وقوله تعالى: {فَأَسْقَيْناكُمُوه وما أَنْتُمْ لَه بِخازِنِينَ}⁣[الحجر: ٢٢]، قيل معناه: حافظين له بالشّكر، وقيل: هو إشارة إلى ما أنبأ عنه قوله: {أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوه ...}


(١) في اللسان: والخرق بالكسر: الكريم المتخرّق في الكرم، وفي المجمل: الخرق: السخيّ يتخرّق في السخاء.

(٢) الحديث رواه العسكري من حديث عبد الرزاق عن أنس مرفوعا: «ما كان الرفق في شيء قطَّ إلا زانه، ولا كان الخرق في شيء قط إلا شانه»، وأخرجه مسلم بلفظ: «إنّ الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه».

راجع: المقاصد الحسنة ص ١١٤، وصحيح مسلم في البر والصلة رقم ٢٥٩٤.

(٣) انظر: المجمل ٢/ ٢٨٥، والأفعال ١/ ٤٩٠.

(٤) الحديث عن عبد اللَّه بن مسعود عن النبي قال: «فرغ إلى ابن آدم من أربع: الخلق والخلق والأجل والرزق» أخرجه الطبراني في الأوسط ٢/ ٣٣٦، وهو في مجمع الزوائد ٧/ ١٩٥ كتاب القدر، والفتح الكبير ٢/ ٢٦٦. وفيه عيسى بن المسيب البجلي، وهو ضعيف عند الجمهور، ووثقه الحاكم والدارقطني في سننه، وضعفه في غيرها.

وللحديث طرق أخرى وروايات أخرى عند الطبراني وأحمد وابن عساكر، وانظر: مسند أحمد ٢/ ١٦٧.