مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

سحق

صفحة 401 - الجزء 1

  والثالث: ما يذهب إليه الأغتام⁣(⁣١)، وهو اسم لفعل يزعمون أنه من قوّته يغيّر الصّور والطَّبائع، فيجعل الإنسان حمارا، ولا حقيقة لذلك عند المحصّلين. وقد تصوّر من السّحر تارة حسنه، فقيل: «إنّ من البيان لسحرا»⁣(⁣٢)، وتارة دقّة فعله حتى قالت الأطباء: الطَّبيعية ساحرة، وسمّوا الغذاء سِحْراً من حيث إنه يدقّ ويلطف تأثيره، قال تعالى: {بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ}⁣[الحجر: ١٥]، أي: مصروفون عن معرفتنا بالسّحر. وعلى ذلك قوله تعالى: {إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}⁣[الشعراء: ١٥٣]، قيل: ممّن جعل له سحر تنبيها أنه محتاج إلى الغذاء، كقوله تعالى: {ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ}⁣[الفرقان: ٧]، ونبّه أنه بشر كما قال: {ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا}⁣[الشعراء: ١٥٤]، وقيل: معناه ممّن جعل له سحر يتوصّل بلطفه ودقّته إلى ما يأتي به ويدّعيه، وعلى الوجهين حمل قوله تعالى: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً}⁣[الإسراء: ٤٧]، وقال تعالى: {فَقالَ لَه فِرْعَوْنُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً}⁣[الإسراء: ١٠١]، وعلى المعنى الثاني دلّ قوله تعالى: {إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}⁣[سبأ: ٤٣]، قال تعالى: {وجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}⁣[الأعراف: ١١٦]، وقال: {أَسِحْرٌ هذا ولا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ}⁣[يونس: ٧٧]، وقال: {فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}⁣[الشعراء: ٣٨]، {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ}⁣[طه: ٧٠]، والسَّحَرُ والسَّحَرَةُ: اختلاط ظلام آخر الليل بضياء النهار، وجعل اسما لذلك الوقت، ويقال: لقيته بأعلى السّحرين، والْمُسْحِرُ: الخارج سحرا، والسَّحُورُ: اسم للطعام المأكول سحرا، والتَّسَحُّرُ: أكله.

سحق

  السَّحْقُ: تفتيت الشيء، ويستعمل في الدّواء إذا فتّت، يقال: سَحَقْتُه فَانْسَحَقَ، وفي الثوب إذا أخلق، يقال: أَسْحَقَ، والسُّحْقُ: الثوب البالي، ومنه قيل: أَسْحَقَ الضّرعُ، أي: صار سَحْقاً لذهاب لبنه، ويصحّ أن يُجعل إِسْحَاقُ منه، فيكون حينئذ منصرفا⁣(⁣٣)، وقيل: أبعده اللَّه وأَسْحَقَه، أي: جعله سَحِيقاً، وقيل: سَحَقَه، أي جعله باليا، قال تعالى: {فَسُحْقاً لأَصْحابِ السَّعِيرِ}⁣[الملك: ١١]، وقال تعالى: {أَوْ تَهْوِي بِه الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ}⁣[الحج: ٣١]، ودم مُنْسَحِقٌ، وسَحُوقٌ مستعار، كقولهم: مدرور.


(١) الغتمة: عجمة في المنطق، ورجل أغتم: لا يفصح شيئا، وقيل للثقيل الروح: غتمي.

(٢) الحديث عن عبد اللَّه بن عمر أنه قال: قدم رجلان من المشرق، فخطبا، فعجب الناس لبيانهما، فقال رسول اللَّه : «إنّ من البيان لسحرا، أو إنّ بعض البيان لسحر». أخرجه مالك في باب ما يكره من الكلام، شرح الزرقاني ٤/ ٤٠٣، والبخاري في الطب ١٠/ ٢٣٧.

(٣) قال السمين: وهو مردود بمنعه من الصرف. عمدة الحفاظ: سحق.