طوف
  فقيل: إنهم قالوا ذلك قبل أن قويت معرفتهم باللَّه. وقيل: إنهم لم يقصدوا قصد القدرة(١)، وإنما قصدوا أنه هل تقتضي الحكمة أن يفعل ذلك؟ وقيل: يَسْتَطِيعُ ويُطيعُ بمعنى واحدٍ(٢)، ومعناه: هل يجيب؟ كقوله: {ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ ولا شَفِيعٍ يُطاعُ}[غافر: ١٨]، أي: يجاب، وقرئ: هل تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ(٣) أي: سؤالَ رَبِّكَ، كقولك:
  هل يَسْتَطِيعُ الأَمِيرُ أن يفعل كذا، وقوله: {فَطَوَّعَتْ لَه نَفْسُه}[المائدة: ٣٠]، نحو:
  أسمحت له قرينته، وانقادت له، وسوّلت، وطَوَّعَتْ أبلغُ من أَطَاعَتْ، وطَوَّعَتْ له نفسُه بإزاء قولهم: تأبَّتْ عن كذا نفسُه، وتَطوَّعَ كذا: تحمّله طَوْعاً. قال تعالى: {ومَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ الله شاكِرٌ عَلِيمٌ}[البقرة: ١٥٨]، {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[التوبة: ٧٩]، وقيل:
  طَاعَتْ وتَطَوَّعَتْ بمعنًى، ويقال: اسْتَطَاعَ واسْطَاعَ بمعنى، قال تعالى: {فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوه ومَا اسْتَطاعُوا لَه نَقْباً}[الكهف: ٩٧].
طوف
  الطَّوْفُ: المشيُ حولَ الشيءِ، ومنه: الطَّائِفُ لمن يدور حول البيوت حافظا. يقال: طَافَ به يَطُوفُ. قال تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ}[الواقعة: ١٧]، قال: {فَلا جُناحَ عَلَيْه أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما}[البقرة: ١٥٨]، ومنه استعير الطَّائِفُ من الجنّ، والخيال، والحادثة وغيرها.
  قال: {إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ}[الأعراف: ٢٠١]، وهو الذي يدور على الإنسان من الشّيطان يريد اقتناصه، وقد قرئ:
  طيف(٤) وهو خَيالُ الشيء وصورته المترائي له في المنام أو اليقظة. ومنه قيل للخيال: طَيْفٌ.
  قال تعالى: {فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ}[القلم: ١٩]، تعريضا بما نالهم من النّائبة، وقوله: {أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ}[البقرة: ١٢٥]، أي:
  لقصّاده الذين يَطُوفُونَ به، والطَّوَّافُونَ في قوله: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ}[النور: ٥٨] عبارة عن الخدم، وعلى هذا الوجه قال # في الهرّة: (إنّها من الطَّوَّافِينَ عليكم والطَّوَّافَاتِ)(٥). والطَّائِفَةُ من الناس: جماعة
(١) قال عائشة: كان الحواريون أعلم باللَّه من أن يقولوا: هل يستطيع ربك، إنما قالوا: هل تستطيع أنت؟ ربك هل تستطيع أن تدعوه؟ انظر: الدر المنثور ٣/ ٢٣١.
(٢) وهذا قول الشعبي. انظر: الدر المنثور ٣/ ٢٣١.
(٣) وبها قرأ الكسائي. انظر: الإتحاف ص ٢٠٤.
(٤) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي ويعقوب. انظر: الإتحاف ص ٢٣٤.
(٥) الحديث عن كبشة بنت كعب بن مالك - وكانت تحت ابن أبي قتادة - أنّ أبا قتادة دخل عليها، فسكبت له وضوءا، فجاءت هرّة تشرب منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟
قالت: قلت: نعم، فقال: إن رسول اللَّه ﷺ قال: إنّها ليس بنجس، إنها من الطوّافين عليكم أو الطَّوافات.
أخرجه مالك ١/ ٢٣، وأحمد ٥/ ٢٩٦، وأبو داود رقم ٧٥، والنّسائي ١/ ٥٥ وانظر شرح السنة ٢/ ٦٩.