مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

رأى

صفحة 374 - الجزء 1

  ٢٠٧ - وكلّ خليل رَاءَنِي فهو قائل ... من أجلك: هذا هامة اليوم أو غد⁣(⁣١)

  وتحذف الهمزة من مستقبله⁣(⁣٢)، فيقال: تَرَى ويَرَى ونَرَى، قال: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً}⁣[مريم: ٢٦]، وقال: {أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ والإِنْسِ}⁣[فصلت: ٢٩]، وقرئ:

  أرنا⁣(⁣٣). والرُّؤْيَةُ: إدراك الْمَرْئِيُّ، وذلك أضرب بحسب قوى النّفس:

  والأوّل: بالحاسّة وما يجري مجراها، نحو: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ}⁣[التكاثر: ٦ - ٧]، {ويَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى الله}⁣[الزمر: ٦٠]، وقوله: {فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ}⁣[التوبة: ١٠٥] فإنه ممّا أجري مجرى الرّؤية الحاسّة، فإنّ الحاسّة لا تصحّ على اللَّه، تعالى عن ذلك، وقوله: {إِنَّه يَراكُمْ هُوَ وقَبِيلُه مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ}⁣[الأعراف: ٢٧].

  والثاني: بالوهم والتّخيّل، نحو: أَرَى أنّ زيدا منطلق، ونحو قوله: {ولَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا}⁣[الأنفال: ٥٠].

  والثالث: بالتّفكَّر، نحو: {إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ}⁣[الأنفال: ٤٨].

  والرابع: بالعقل، وعلى ذلك قوله: {ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى}⁣[النجم: ١١]، وعلى ذلك حمل قوله: {ولَقَدْ رَآه نَزْلَةً أُخْرى}⁣[النجم: ١٣].

  ورَأَى إذا عدّي إلى مفعولين اقتضى معنى العلم، نحو: {ويَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}⁣[سبأ: ٦]، وقال: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ}⁣[الكهف: ٣٩]، ويجري (أَرَأَيْتَ) مجرى أخبرني، فيدخل عليه الكاف، ويترك التاء على حالته في التّثنية، والجمع، والتأنيث، ويسلَّط التّغيير على الكاف دون التّاء، قال: {أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي}⁣[الإسراء: ٦٢]، {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ}⁣[الأنعام: ٤٠]، وقوله: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى}⁣[العلق: ٩]، {قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ}⁣[الأحقاف: ٤]، {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ الله}⁣[القصص: ٧١]، {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ}⁣[الأحقاف: ١٠]، {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا}⁣[الكهف: ٦٣]، كلّ ذلك فيه معنى التّنبيه.

  والرَّأْيُ: اعتقاد النّفس أحد النّقيضين عن


(١) البيت لكثير عزّة من قصيدة له مطلعها:

تظلّ ابنة الضمريّ في ظل نعمة ... إذا ما مشت من فوق صرح ممرّد

وهو في ديوانه ص ٤٣٥، واللسان: (رأى)، والأغاني ١٥/ ١١١، والأضداد لابن الأنباري ص ٣٢٥، والمسائل الحلبيات ص ٤٧.

(٢) قال سيبويه: وممّا حذف في التخفيف لأنّ ما قبله ساكن قوله: أرى وترى ونرى. انظر: الكتاب ٢/ ١٦٥.

(٣) وبها قرأ ابن كثير وأبو عمرو بخلفه، وهشام وابن ذكوان وأبو بكر ويعقوب. الإتحاف ٣٨٢.