مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

سار

صفحة 432 - الجزء 1

سود

  السَّوَادُ: اللَّون المضادّ للبياض، يقال: اسْوَدَّ واسْوَادَّ، قال: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوه وتَسْوَدُّ وُجُوه}⁣[آل عمران: ١٠٦] فابيضاض الوجوه عبارة عن المسرّة، واسْوِدَادُهَا عبارة عن المساءة، ونحوه: {وإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثى ظَلَّ وَجْهُه مُسْوَدًّا وهُوَ كَظِيمٌ}⁣[النحل: ٥٨]، وحمل بعضهم الابيضاض والاسوداد على المحسوس، والأوّل أولى، لأنّ ذلك حاصل لهم سُوداً كانوا في الدّنيا أو بيضا، وعلى ذلك دلّ قوله في البياض: {وُجُوه يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ}⁣[القيامة: ٢٢]، وقوله: {ووُجُوه يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ}⁣[القيامة: ٢٤]، {ووُجُوه يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ}⁣[عبس: ٤٠ - ٤١]، وقال: {وتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ الله مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً}⁣[يونس: ٢٧]، وعلى هذا النحو ما روي «أنّ المؤمنين يحشرون غرّا محجّلين من آثار الوضوء»⁣(⁣١)، ويعبّر بِالسَّوَادِ عن الشّخص المرئيّ من بعيد، وعن سواد العين، قال بعضهم: لا يفارق سوادي سواده، أي: عيني شخصه، ويعبّر به عن الجماعة الكثيرة، نحو قولهم: (عليكم بالسّواد الأعظم)⁣(⁣٢)، والسَّيِّدُ: المتولَّي للسّواد، أي: الجماعة الكثيرة، وينسب إلى ذلك فيقال:

  سيّد القوم، ولا يقال: سيّد الثّوب، وسيّد الفرس، ويقال: سَادَ القومَ يَسُودُهُمْ، ولمّا كان من شرط المتولَّي للجماعة أن يكون مهذّب النّفس قيل لكلّ من كان فاضلا في نفسه:

  سَيِّدٌ. وعلى ذلك قوله: {وسَيِّداً وحَصُوراً}⁣[آل عمران: ٣٩]، وقوله: {وأَلْفَيا سَيِّدَها}⁣[يوسف: ٢٥]، فسمّي الزّوج سَيِّداً لسياسة زوجته، وقوله: {رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا}⁣[الأحزاب: ٦٧]، أي: ولاتنا وسَائِسِينَا.

سار

  السَّيْرُ: المضيّ في الأرض، ورجل سَائِرٌ، وسَيَّارٌ، والسَّيَّارَةُ: الجماعة، قال تعالى: {وجاءَتْ سَيَّارَةٌ}⁣[يوسف: ١٩]، يقال:

  سِرْتُ، وسِرْتُ بفلان، وسِرْتُه أيضا، وسَيَّرْتُه على التّكثير، فمن الأوّل قوله: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا}⁣[الحج: ٤٦]، {قُلْ سِيرُوا}⁣[الأنعام: ١١]، {سِيرُوا فِيها لَيالِيَ}⁣[سبأ: ١٨]، ومن الثاني


(١) الحديث عن أبي هريرة وفيه: «فإنّهم يأتون يوم القيامة غرّا محجّلين من الوضوء» أخرجه مسلم برقم (٢٤٩)، ومالك في الموطأ ١/ ٢٨، وانظر: شرح السنة ١/ ٣٢٣.

(٢) الحديث عن النعمان بن بشير قال: قال رسول اللَّه : «من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر اللَّه، والتحدث بنعمة اللَّه شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب». قال: فقال أبو أمامة:

عليكم بالسواد الأعظم، قال: فقال رجل: وما السَّوَادُ الأعظم؟ فقال أبو أمامة: هذه الآية في سورة النور {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْه ما حُمِّلَ وعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ} أخرجه أحمد ٤/ ٢٧٨، وأخرج الترمذي: «يد اللَّه على الجماعة، اتبعوا السواد الأعظم، فإنّ من شذّ شذّ في النار». وانظر: كشف الخفاء ١/ ٣٣٣.