ظلم
  قصد بقوله: {أَلا لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ}[هود: ١٨]، {والظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً}[الإنسان: ٣١]، في آي كثيرة، وقال: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى الله}[الزمر: ٣٢]، {ومَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى الله كَذِباً}[الأنعام: ٩٣].
  والثاني: ظُلْمٌ بينه وبين الناس، وإيّاه قصد بقوله: {وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ} إلى قوله: {إِنَّه لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}(١)، وبقوله: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ}[الشورى: ٤٢]، وبقوله: {ومَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً}[الإسراء: ٣٣].
  والثالث: ظُلْمٌ بينه وبين نفسه، وإيّاه قصد بقوله: {فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِه}[فاطر: ٣٢]، وقوله: {ظَلَمْتُ نَفْسِي}[النمل: ٤٤]، {إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}[النساء: ٦٤]، {فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ}[البقرة: ٣٥]، أي: من الظَّالِمِينَ أنفسهم، {ومَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَه}[البقرة: ٢٣١].
  وكلّ هذه الثّلاثة في الحقيقة ظُلْمٌ للنّفس، فإنّ الإنسان في أوّل ما يهمّ بالظُّلْمِ فقد ظَلَمَ نفسه، فإذا الظَّالِمُ أبدا مبتدئ في الظُّلْمِ، ولهذا قال تعالى في غير موضع: {وما ظَلَمَهُمُ الله ولكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[النحل: ٣٣]، {وما ظَلَمُونا ولكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[البقرة: ٥٧]، وقوله: {ولَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ}[الأنعام: ٨٢]، فقد قيل: هو الشّرك، بدلالة أنه لمّا نزلت هذه الآية شقّ ذلك على أصحاب النبيّ #، وقال لهم: «ألم تروا إلى قوله: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ} عَظِيمٌ»(٢)، وقوله: {ولَمْ تَظْلِمْ مِنْه شَيْئاً}[الكهف: ٣٣]، أي: لم تنقص، وقوله: {ولَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الأَرْضِ جَمِيعاً}[الزمر: ٤٧]، فإنه يتناول الأنواع الثّلاثة من الظُّلْمِ، فما أحد كان منه ظُلْمٌ مّا في الدّنيا إلَّا ولو حصل له ما في الأرض ومثله معه لكان يفتدي به، وقوله: {هُمْ أَظْلَمَ وأَطْغى}[النجم: ٥٢]، تنبيها أنّ الظُّلْمَ لا يغني ولا يجدي ولا يخلَّص بل يردي بدلالة قوم نوح. وقوله: {ومَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ}[غافر: ٣١]، وفي موضع: {وما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[ق: ٢٩]، وتخصيص أحدهما بالإرادة مع لفظ العباد، والآخر بلفظ الظَّلَّامِ للعبيد
(١) الآية: {وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وأَصْلَحَ فَأَجْرُه عَلَى اللَّه إِنَّه لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} الشورى: ٤٠.
(٢) سورة لقمان: آية ١٣.
أخرج أحمد والبخاري ومسلم عن عبد اللَّه بن مسعود قال: لمّا نزلت هذه الآية: {الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ} شقّ ذلك على الناس، فقالوا: يا رسول اللَّه، وأينا لا يَظْلِمُ نفسه؟! قال: «إنّه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} إنما هو الشرك «. انظر: الدر المنثور ٣/ ٣٠٨، وفتح الباري ٨/ ٢٩٤ كتاب التفسير، ومسلم برقم ١٢٤، والمسند ١/ ٤٢٤.