مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

عفا

صفحة 574 - الجزء 1

عفا

  العَفْوُ: القصد لتناول الشيء، يقال: عَفَاه واعتفاه، أي: قصده متناولا ما عنده، وعَفَتِ الرّيحُ الدّار: قصدتها متناولة آثارها، وبهذا النّظر قال الشاعر:

  ٣٢٣ - أخذ البلى أبلادها⁣(⁣١)

  وعَفَتِ الدّار: كأنها قصدت هي البلى، وعَفَا النبت والشجر: قصد تناول الزيادة، كقولك:

  أخذ النبت في الزّيادة، وعَفَوْتُ عنه: قصدت إزالة ذنبه صارفا عنه، فالمفعول في الحقيقة متروك، و «عن» متعلَّق بمضمر، فالعَفْوُ: هو التّجافي عن الذّنب. قال تعالى: {فَمَنْ عَفا وأَصْلَحَ}⁣[الشورى: ٤٠]، {وأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى}⁣[البقرة: ٢٣٧]، {ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ}⁣[البقرة: ٥٢]، {إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ}⁣[التوبة: ٦٦]، {فَاعْفُ عَنْهُمْ}⁣[آل عمران: ١٥٩]، وقوله: {خُذِ الْعَفْوَ}⁣[الأعراف: ١٩٩]، أي:

  ما يسهل قصده وتناوله، وقيل معناه: تعاط العفو عن الناس، وقوله: {ويَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ}⁣[البقرة: ٢١٩]، أي: ما يسهل إنفاقه. وقولهم: أعطى عفوا، فعفوا مصدر في موضع الحال، أي: أعطى وحاله حال العافي، أي: القاصد للتّناول إشارة إلى المعنى الذي عدّ بديعا، وهو قول الشاعر:

  ٣٢٤ - كأنّك تعطيه الذي أنت سائله⁣(⁣٢)

  وقولهم في الدّعاء: «أسألك العفو والعافية»⁣(⁣٣) أي: ترك العقوبة والسّلامة، وقال في وصفه تعالى: {إِنَّ الله كانَ عَفُوًّا غَفُوراً}⁣[النساء: ٤٣]، وقوله: «وما أكلت العافية فصدقة»⁣(⁣٤) أي:

  طلَّاب الرّزق من طير ووحش وإنسان، وأعفيت كذا، أي: تركته يعفو ويكثر، ومنه قيل: «أعفوا اللَّحى»⁣(⁣٥) والعَفَاء: ما كثر من الوبر والرّيش،


(١) عجز بيت لعدي بن الرقاع العاملي في ديوانه ص ٤٩، وتمامه:

[

عرف الديار توهّما فاعتادها ... من بعد ما أخذ البلى أبلادها

] وهو في تفسير الراغب ورقة ٥٢.

(٢) العجز لزهير بن أبي سلمى من قصيدة يمدح بها حصن بن حذيفة بن بدر، وشطره:

تراه إذا ما جئته متهلَّلا

وهو في ديوانه ص ٦٨.

(٣) عن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه يقول: «اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي» أخرجه البزار وفيه يونس بن خباب، وهو ضعيف.

وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول اللَّه : «ما من دعوة أحبّ إلى اللَّه أن يدعو بها عبد من أن يقول: اللهم إني أسألك المعافاة والعافية في الدنيا والآخرة». أخرجه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، لكن العلاء بن زياد لم يسمع من معاذ. انظر: مجمع الزوائد ١٠/ ١٧٨.

(٤) الحديث أخرجه أحمد ٣/ ٣٣٨، وقد تقدم في مادة (صدق).

(٥) الحديث عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه : «أعفوا اللحى وحفّوا الشوارب». أخرجه أحمد ٢/ ٥٢، ورجاله ثقات.