مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

قط

صفحة 676 - الجزء 1

  الكيل⁣(⁣١)، وهذا كما قال أبو عبيدة لعمر ® لما أراد الفرار من الطَّاعون بالشام:

  أتفرّ من القضاء؟ قال: أفرّ من قضاء اللَّه إلى قدر اللَّه⁣(⁣٢)، تنبيها أنّ القدر ما لم يكن قضاء فمرجوّ أن يدفعه اللَّه، فإذا قضى فلا مدفع له ويشهد لذلك قوله: {وكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا}⁣[مريم: ٢١] وقوله: {كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا}⁣[مريم: ٧١]، {وقُضِيَ الأَمْرُ}⁣[البقرة: ٢١٠] أي:

  فصل تنبيها أنه صار بحيث لا يمكن تلافيه.

  وقوله: {إِذا قَضى أَمْراً}⁣[آل عمران: ٤٧].

  وكلّ قول مقطوع به من قولك: هو كذا أوليس بكذا يقال له: قَضِيَّةٌ، ومن هذا يقال: قضيّة صادقة، وقضيّة كاذبة⁣(⁣٣)، وإيّاها عنى من قال:

  التّجربة خطر والقَضَاءُ عسر، أي: الحكم بالشيء أنه كذا وليس بكذا أمر صعب، وقال عليه الصلاة والسلام: «عليّ أَقْضَاكُمْ»⁣(⁣٤).

قط

  قال تعالى: {وقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ}⁣[ص: ١٦] الْقِطُّ: الصّحيفة، وهو اسم للمكتوب والمكتوب فيه، ثم قد يسمّى المكتوب بذلك كما يسمّى الكلام كتابا وإن لم يكن مكتوبا، وأصل الْقِطِّ: الشيء المقطوع عرضا، كما أنّ القدّ هو المقطوع طولا، والْقِطُّ:

  النّصيب المفروز كأنّه قُطَّ، أي: أفرز، وقد فسّر ابن عباس ¥ الآية به⁣(⁣٥)، وقَطَّ السّعر أي: علا، وما رأيته قَطْ، عبارة عن مدّة الزمان المقطوع به.

  وقَطْنِي: حسبي.


(١) انظر: إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ٩/ ٤٣ نقلا عن المفردات. وقال بعضهم: القضاء: الحكم بالكليات على سبيل الإجمال في الأزل، والقدر: الحكم بوقوع الجزئيات التي لتلك الكليات على سبيل التفصيل. انظر: فتح الباري، كتاب الدعوات: التعوذ من جهد البلاء ١١/ ١٤٩.

(٢) انظر: بصائر ذوي التمييز ٤/ ٢٧٨، وهذا شطر من حديث طويل أخرجه البخاري في الطاعون، وفيه: (فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة: أفرارا من قدر اللَّه؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفرّ من قدر اللَّه إلى قدر اللَّه) الحديث في فتح الباري ١٠/ ١٧٩.

(٣) هذا اصطلاح أهل المنطق، وعند أهل البلاغة تسمى خبرا. قال الأخضري:

ما احتمل الصدق لذاته جرى ... بينهم قضية وخبرا

(٤) الحديث عن عمر قال: قال النبي : «إنّ أرأف أمتي بها أبو بكر، وإنّ أصلبها في أمر اللَّه لعمر، وإنّ أشدّها حياء لعثمان، وإنّ أقرأها لأبيّ، وإنّ أفرضها لزيد، وإنّ أقضاها لعليّ» أخرجه ابن عدي في الضعفاء ٦/ ٢٠٩٧، وعزاه صاحب كشف الخفاء لأحمد، وليس عنده: «أقضاهم علي» وانظر: كشف الخفاء ١/ ١٠٨.

(٥) أخرج الطستي عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله تعالى: {عَجِّلْ لَنا قِطَّنا}؟ قال: القطَّ: الجزاء، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت الأعشى وهو يقول:

ولا الملك النعمان يوم لقيته ... بأمته يعطي القطوط ويأفق

انظر: الدر المنثور ٧/ ١٤٧.