مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

كتم

صفحة 702 - الجزء 1

  فإنما أراد بالكتاب هاهنا ما تقدّم من كتب اللَّه دون القرآن، ألا ترى أنّه جعل القرآن مصدّقا له، وقوله: {وهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا}⁣[الأنعام: ١١٤] فمنهم من قال: هو القرآن، ومنهم من قال: هو القرآن وغيره من الحجج والعلم والعقل⁣(⁣١)، وكذلك قوله: {فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِه}⁣[العنكبوت: ٤٧]، وقوله: {قالَ الَّذِي عِنْدَه عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ}⁣[النمل: ٤٠] فقد قيل: أريد به علم الكتاب، وقيل: علم من العلوم التي آتاها اللَّه سليمان في كتابه المخصوص به، وبه سخّر له كلّ شيء، وقوله: {وتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّه}⁣[آل عمران: ١١٩] أي: بِالْكُتُبِ المنزّلة، فوضع ذلك موضع الجمع، إمّا لكونه جنسا كقولك: كثر الدّرهم في أيدي الناس، أو لكونه في الأصل مصدرا نحو: عدل، وذلك كقوله: {يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ}⁣[البقرة: ٤] وقيل: يعني أنّهم ليسوا كمن قيل فيهم: {ويَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ ونَكْفُرُ بِبَعْضٍ}⁣[النساء: ١٥٠]. وكِتابَةُ العَبْدِ: ابتياع نفسه من سيّده بما يؤدّيه من كسبه، قال: {والَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ}⁣[النور: ٣٣] واشتقاقها يصحّ أن يكون من الكتابة التي هي الإيجاب، وأن يكون من الكتب الذي هو النّظم والإنسان يفعل ذلك.

كتم

  الْكِتْمَانُ: ستر الحديث، يقال: كَتَمْتُه كَتْماً وكِتْمَاناً. قال تعالى: {ومَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَه مِنَ الله}⁣[البقرة: ١٤٠]، وقال: {وإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وهُمْ يَعْلَمُونَ}⁣[البقرة: ١٤٦]، {ولا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ}⁣[البقرة: ٢٨٣]، {وتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}⁣[آل عمران: ٧١]، وقوله: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ويَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ويَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ الله مِنْ فَضْلِه}⁣[النساء: ٣٧] فَكِتْمَانُ الفضل: هو كفران النّعمة، ولذلك قال بعده: {وأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً}⁣[النساء: ٣٧]، وقوله: {ولا يَكْتُمُونَ الله حَدِيثاً}⁣[النساء: ٤٢] قال ابن عباس: إنّ المشركين إذا رأوا أهل القيامة لا يدخل الجنّة إلَّا من لم يكن مشركا قالوا: {والله رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ}⁣[الأنعام: ٢٣] فتشهد عليهم جوارحهم، فحينئذ يودّون أن لم يكتموا اللَّه حديثا⁣(⁣٢). وقال الحسن: في الآخرة مواقف في بعضها يكتمون، وفي بعضها لا يكتمون، وعن بعضهم:


(١) أخرج ابن أبي حاتم من طريق مالك بن أنس عن ربيعة قال: إنّ اللَّه تبارك وتعالى أنزل الكتاب، وترك فيه موضعا للسنة، وسنّ رسول اللَّه ، وترك فيها موضعا للرأي. انظر: الدر المنثور ٣/ ٣٤٤.

(٢) أخرجه ابن جرير ٥/ ٩٤.