مفردات ألفاظ القرآن،

الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502 هـ)

كرم

صفحة 708 - الجزء 1

  تعالى: {ولَوْ كَرِه الْكافِرُونَ}⁣[التوبة: ٣٢]، {ولَوْ كَرِه الْمُشْرِكُونَ}⁣[التوبة: ٣٣]، {وإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ}⁣[الأنفال: ٥]، وقوله: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيه مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوه}⁣[الحجرات: ١٢] تنبيه أنّ أكل لحم الأخ شيء قد جبلت النّفس على كَرَاهَتِهَا له وإن تحرّاه الإنسان، وقوله: {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً}⁣[النساء: ١٩] وقرئ:

  كرها⁣(⁣١)، والإِكْرَاه يقال في حمل الإنسان على ما يكرهه، وقوله: {ولا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ}⁣[النور: ٣٣] فنهي عن حملهنّ على ما فيه كَرْه وكُرْه، وقوله: {لا إِكْراه فِي الدِّينِ}⁣[البقرة: ٢٥٦] فقد قيل: كان ذلك في ابتداء الإسلام، فإنه كان يعرض على الإنسان الإسلام فإن أجاب وإلَّا ترك⁣(⁣٢).

  والثاني: أنّ ذلك في أهل الكتاب، فإنّهم إن أرادوا الجزية والتزموا الشّرائط تركوا⁣(⁣٣).

  والثالث أنه لا حكم لمن أكره على دين باطل فاعترف به ودخل فيه، كما قال تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِه وقَلْبُه مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمانِ}⁣[النحل: ١٠٦].

  الرابع: لا اعتداد في الآخرة بما يفعل الإنسان في الدّنيا من الطاعة كرها، فإنّ اللَّه تعالى يعتبر السّرائر ولا يرضى إلَّا الإخلاص، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «الأعمال بالنّيّات»⁣(⁣٤)، وقال: «أخلص يكفك القليل من العمل»⁣(⁣٥).

  الخامس: معناه لا يحمل الإنسان على أمر مَكْرُوه في الحقيقة مما يكلَّفهم اللَّه بل يحملون على نعيم الأبد، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «عجب ربّكم من قوم يقادون إلى الجنّة بالسّلاسل»⁣(⁣٦).

  السادس: أنّ الدّين الجزاء. معناه: أنّ اللَّه ليس بِمُكْرَه على الجزاء بل يفعل ما يشاء بمن يشاء كما يشاء.

  وقوله: {أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ} إلى قوله:


(١) وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف. انظر: الإتحاف ص ١٨٨.

(٢) ويؤيد هذا ما أخرجه ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس قال: نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف، يقال له الحصين، كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلا مسلما، فقال للنبيّ : ألا أستكرههما؟ فإنهما قد أبيا إلا النصرانية، فأنزل اللَّه فيه ذلك. انظر: الدر المنثور ٢/ ٢١، وتفسير الطبري ٣/ ١٤.

(٣) وهذا مروي عن ابن عباس أيضا، وأخرجه عنه ابن جرير وابن أبي حاتم.

(٤) الحديث متفق عليه، أخرجه البخاري في بدء الوحي ١/ ٧، ومسلم في الإمارة برقم (١٩٠٧)، وغيرهما.

(٥) الحديث عن معاذ بن جبل أنه قال لرسول اللَّه حين بعثه إلى اليمن: أوصني. قال: «أخلص دينك يكفك العمل القليل» أخرجه الحاكم في الرقاق ٤/ ٣٠٦، وقال: صحيح الإسناد، ولم يوافقه الذهبي، وأبو نعيم في الحلية ١/ ٢٤٤. وقال العراقي: رواه الديلمي في مسند الفردوس من حديث معاذ، وإسناده منقطع. انظر: تخريج أحاديث الإحياء ٦/ ٢٤٠٦.

(٦) الحديث تقدّم في مادة (سلّ).